16 سبتمبر 2025

تسجيل

آفاق الدراما وصناعة التغيّر في المجتمع العربي

21 نوفمبر 2018

التأمَ على أرض قطر الطيبة الملتقى الأول لكُتّاب الدراما، بمبادرة كريمة من وزارة الثقافة والرياضة، في وقت انحسرت فيه الأضواءُ عن الدراما، نتيجة للأحداث التي مرّت بها المنطقة العربية، وتَحوّل المُتلقين إلى متابعة القضايا السياسية، التي ألقت بظلالها على المشهد الإعلامي في المنطقة العربية. وقد حضر الملتقى مجموعةٌ من المهتمين والمشتغلين بالدراما التلفزيونية والمسرحية. ولقد حدَّد منظمو الملتقى مجموعة من المحاور، وعلى مدى أربع جلسات، كالتالي: اتجاهات الكتابة الدرامية، مظاهر التجديد في الكتابة العربية (الدرامية) وعلاقتها بالواقع - تجارب كُتاب الدراما - آفاق الكتابة الدرامية في (المساهمة) في تغيّر المجتمع العربي. وفيما يلي مجموعة من الاتجاهات والملاحظات التي برزت خلال أوراق العمل، وأيضًا خلال النقاشات التي تلت الجلسات: كان هنالك حديث مطوّل عن تاريخ الدراما من عصر الإغريق، وفلسفة الدراما، وحتى عصر ما بعد نكسة 1967، والتي وصفها أحدهم بمرحلة (خداع الانتصارات الوهمية)، ودارت الآراءُ حول ترجمة النصوص الأجنبية إلى المسرح العربي، وجَعل المسرح نخبويًا، وهو أمر ترفضه صيرورةُ الحياة، التي تُحتِّم أن يُعالج المسرحُ قضايا الناس، دون استيراد ثقافات أخرى، أو الانبهار بتكنولوجيا المسرح، كما دار نقاش حول تعميق الفكر ومفارقته للصورة، وأن الصورة قد ألغت النص. وعن دور الدراما في التلفزيون، حدث نقاش حول ماهيّة واتجاهات الدراما، خصوصًا الخليجية منها، في التأثير على المتلقين في المنطقة، وأن الإنسان قد اعتمد على دراما التلفزيون في تشكيل حياته، من تصرفات، ملابس، أطعمة، مقتنيات.. إلخ، كما ورد في مداخلة الكاتبة التلفزيونية (هبة مشاري) من دولة الكويت، وقد لاحظنا، خلال العشرين عامًا الماضية، امتعاضًا واضحًا بين فئات المتلقين، حول مضامين الدراما الخليجية، والتي أبرزت بعضَ الجوانب السلبية لحياة الإنسان الخليجي. وكان العتب واللوم – دومًا – يقع على الرقابة، التي تُتهم بالحدّ من الطروحات المتجدِّدة والجريئة، وكذلك على التعصُّب الذي تتبناه فئة غير صغيرة في المجتمع الخليجي. نحن نعتقد أن الفن الدرامي، هو فنٌ في المقام الأول، ويجب أن ينطلق من مفهوم الفن، ولا يُحاط بمجموعة من السياجات الأيديولوجية الفكرية، وهذا يخالف الحرية، وحقّ الكاتب في مخاطبة مجتمعه. كما أن للفن ظروفا واحتياجات، ولا يُمكن أن تُناقش فكرة الطفل اللقيط، مثلاً، ليقوم البعض بتعميم المثل أو الفكرة على كلِّ أفراد المجتمع. لذا، فإن الحُكم على العمل الدرامي يجب أن يكون بشكل عام، من منظور فني، صافٍ من الأيديولوجية والتعصّب. وأن وجود ظاهرة – ولو محدودة – في إحدى دول المنطقة، لا يعني أنها مُعمَّمة على جميع أفراد المنطقة. وهذه جزئية لا بد من مناقشتها بهدوء، والخروج برؤية عصرية، تتجاوز التعصب و»نقاء» كلِّ الناس مع المشكلات التي تظهر في المجتمع. ورأت المُتداخلة (هبة مشاري) أن بعض الناس – في الخليج – يعيشون تناقضًا بائنًا في اختلافاتهم على مضامين الدراما الخليجية. فهذا البعض «يستمتع» بمشاهدة هذه المسلسلات «المُنتَقدة» داخل غرف النوم، لكنه يُحاذر من أن ترى عائلته هذه المسلسلات. وعلى علاقة بالإنتاج، دار نقاشٌ حول مضمون ومساحة الحرية، وأثر ذلك على تدنّي الإنتاج الدرامي، ولجوء المُنتج إلى أعمال تفرضها المحطاتُ الرسمية، التي ترضخُ لمُحدِّدات الإعلان. وأن القبضة التجارية الحديدية قد أمسكت بعُنق الدراما الخليجية، الأمر الذي يجعل كاتب الدراما مُتردِّدًا بين الدخول في هذه «المَعمعة» التجارية، التي قد تؤثر على اسمه في عالم الدراما. علاقة المثقف بالمجتمع وعلاقته مع السلطة، كانت مثار نقاش، حيث رأى البعض أن المثقف العربي قد خدع الجماهير، وأن الثقة العربية بهذا المثقف قد تراجعت! وأرجعَ هذا البعض أمرَ ذلك إلى نكسة 1967، وما تلاها من تردٍ في العلاقات العربية/‏‏ العربية، وأحداث أخرى مثل: تحييد مصر عن دورها القومي، وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وحرب الخليج الأولى، وحرب الخليج الثانية، وأن الأنظمة السياسية قد «خذلت» الشباب العربي، ما أدى إلى دخول المنطقة العربية مرحلة «الربيع العربي»، والثورات التي أطاحت ببعض الأنظمة غير الرشيدة. وبرأينا أن الظلال السياسية القاتمة، التي هبطت على الإعلام العربي، قد أبعدت الدراما عن مناقشة تلك التطورات، نتيجة الحساسيات بين الدول العربية، وحضور الرقابة الواضح. الماضي والحاضر والمستقبل.. ثلاثية تطرحُ نفسها في العديد من المنتديات العربية، فهنالك من يقول: إن هنالك إغراقًا في التمسك بالماضي، والتغنّي بأمجاده ولياليه السعيدة، لدرجة «التقديس»، وكأن التراث «وثن» لا بد من الانحناء له كلَّ صباح وكلَّ مساء!. وهنالك من يرى أن الحاضر أيضًا حاضر في الدراما العربية، وبتركيز واضح على القضايا الاجتماعية، ولكن يغيبُ المستقبلُ عن المشهد الحاضر! ولقد كانت لسعادة السيد صلاح بن غانم العلي وزير الثقافة والرياضة مُداخلة في هذا الشأن، حيث قال: لم أقرأ حديثًا عمّا سيحدث بعد 50 عامًا، كيف ستكون عليه الحياة؟ وتساءل: لماذا نظلّ في الماضي، ونُكرر مشاهِد الحاضر، دون أن نتلمس ماذا سيحدث في المستقبل؟. وأرى أن هذه قضية هامة، قد تكون من أهم قضايا الملتقى برمّته، لأن هدف الملتقى الأساسي هو الخروج برؤى لخارطة طريق للدراما العربية! وقد يكون هذا الموضوع مثارَ نقاشٍ في النُسخ التالية من ملتقى كتّاب الدراما. لأن قضايا وحكايات الماضي قد استُنفدت على مدى السنين، سواء في المسرح أم في الدراما الإذاعية والتلفزيونية، وتمَّت معالجتها بتكثيف شديد، ولا بد من رؤية جديدة حول المستقبل في الأعمال الدرامية والمسرحية، فمسرح (برودواي) تجاوز الواقع الأمريكي، إلى آفاق رحبة تختص بحياة الناس وتطلعاتهم وأفكارهم نحو المستقبل. وكذلك فعلت (هوليوود)! إعادة البراءة إلى الدراما.. فقد رأى البعض أن قضية الحبِّ محورية في الدراما، واستشهد الفنان القطري غانم السليطي، بالمسلسل الكويتي (درب الزلق)، وأن حرية المُبدع، كتابةً وتمثيلًا وإخراجًا، قد كفلت نجاحه، وقرّبته من الناس. وأن البراءة قد تم اصطيادها من قِبل الأنظمة العربية، وظهرت أعمالٌ قولبتها الرقابةُ كما تريد! وهذا ما أدى إلى ظهور المُنتج «المقاول»، والذي يُحقق رغباتِ المُعلن، دونما اعتبار لذائقة الجمهور، أو قيم المجتمع. لاحظتُ وجودَ بعض الأوراق، التي صيغت بلغة أدبية عميقة ومُتقعِّرة، تصلح لأن تكون بحثًا في تاريخ الدراما، أو مقالًا في مجلة أدبية، وكانت ثقيلة على سمع الجمهور، ذلك أن اللقاء كانت يتجه نحو (العصف الذهني)، الذي يُحللُ واقع الدراما العربية، ويستنتج منه خارطة طريق للمستقبل، في مجال الدراما، وهذا هو هدف اللقاء الأسمى، ولكن غاصَ البعض في فلسفة (أرسطو)، ونظريات النص قبل الممثل، وحكايات الإغريق، وتفسّخ المسرح الأمريكي، ورسمية مسرح (شكسبير). كما كان هنالك إغراق في «تحشيد» المصطلحات، مثل: (دراماتورجيا التراث، فقة المسرح، مسرح سعد الله ونوس، مغامرة الشجعان، البورجوازية الغربية). وهذا قد أضاع كثيرًا من الوقت، كان من المهم استثماره في الحديث عن رؤى جديدة للدراما. وأعتقد أنه كان من المفترض أن يتم توجيه من كتبوا تلك النصوص «المُستغلقة» أن يتداخلوا فأفكار، لا أن يقرؤوا «ملاحم» أدبية، لم يكن الملتقى مكانها المناسب. ومن المفيد أن تكون هنالك لجنة متخصصة تقرأ الأوراق وتوجِّه أصحابها نحو الهدف الأسمى من الملتقى، والذي غاب عن البعض. في مداخلات الجمهور، استجهنَ البعضُ ظاهرة «جلد الذات»، التي نلاحظها في العديد من الملتقيات الأدبية العربية! وألقى هذا البعضُ اللومَ والعتبَ على المثقف العربي لتخاذله، وتساءل: هل عدم وجود الحرية يعني إغلاق المسارح؟ وتوقيف الإنتاج الدرامي؟ وردّ على تساؤله: على العكس، من خلال الثقافة والفن تتولد الحرية، وأنه في أحلك عصور الديكتاتورية، وُجدت أفلامٌ عالجت موضوع الديمقراطية. تحدّث البعض عن (مواسم الإنتاج الدرامي)، كما هو الحال في شهر رمضان، والأعياد أو المناسبات الوطنية. وكيف أن الضغط على المحطات، يجعلها تقع في شراك المُنتج (المقاول)، وجاء أحد المتداخلين ( يوسف بعلوج) من الجزائر، بأرقام صُرفت على مسلسلات رمضان الماضي، بحدود 200 مليون دولار، مشيرًا إلى أن الموسم الرمضاني أصبح يتحكَّم في الإنتاج. وأن هذه «الموسمية» تنتج عنها موسميةُ في النقد، ومنها، تدني المستوى. ونرى أن المحطات العربية تساهم في هذه «الموسمية»، وكأنَّ المُشاهد العربي لا يشاهد التلفزيون إلّا في شهر رمضان!. وقد أعلن سعادة وزير الثقافة والرياضة في ختام أعمال الملتقى عن جائزة كتابة الدراما، والتي تهدف إلى إيجاد نقلة نوعية وحضارية في الدراما العربية، وأن تفاصيل الجائزة سوف تُعلن لاحقًا. وتلك بادرة قطرية من أجل النهوض بالعمل الدرامي، ونأمل أن تتلقفها أيادٍ أمينة ومُتخصصة، وأن تُشكل لها لجنةٌ مؤهلة تضمن مساراتها، بعيدًا عن التجاذبات، كما حدث لجوائز عربية أخرى!، وأن تشمل المسرح، التلفزيون، السينما، الإذاعة. وفي الختام، تمت تلاوة مشروع (توصيات الملتقى)، وتمت دعوة المشاركين إلى الإدلاء بآرائهم في تلك التوصيات، سعيًا لإقرارها بعد ذلك. خاتمة... ملتقى كتّاب الدراما مشروع وُجِد على أرض طيبة، ولا بدَّ من أن يُلقي الثمار اليانعة، ونرجو أن تشرئبَ أغصانُ هذه النبتة الطيبة، وتُسهم الأيادي الأمينة في تحقيق هدف المنتدى وهدف الجائزة، بعقلانية وواقعية، وبعيدًا عن «الاستعراضات» التي تحدث في بعض الجوائز العربية. هامش: لقد توقف الإنتاج الدرامي لدينا منذ فترة، فكيف ستكون مشاركتنا في «جائزتنا» الدرامية؟.