09 أكتوبر 2025
تسجيلجاء العدوان الصهيوني الغاشم على غزة فيما لا تزال الثورة السورية تواصل حراكها ضد نظام الاستبداد والظلم الأسدي، بعد عشرين شهرا من النضال، ويفسح هذا الأمر المجال لعقد جملة من المقارنات وتسجيل مجموعة الملاحظات المشروعة، سواء على صعيد المشاهد المرتبطة بذلك، أو المواقف المحيطة بها. ولعل أهم هذه المقارنات على الإطلاق انكشاف العورة الأخيرة لنظام الاستبداد في دمشق، عندما يتشابه في صنيعه مع الاحتلال ـ وفي نفس التوقيت وقريبا من ذات المنطقة ـ الذي يقتل المدنيين أطفالا ونساء ويدمّر البيوت فوق رؤوس أصحابها، ويفعل كما يفعل الاحتلال فيتهم الثوار الذين يريدون التخلص من كابوسه الجاثم على صدورهم منذ أكثر من أربعة عقود بالإرهاب، كما تتهم إسرائيل المقاومة التي ترد العدوان عن أرضها وأهلها بذلك تماما، بينما هي أم الإرهابيين، كابرا عن كابر، ماضيا وحاضرا. والمقارنة تأخذنا إلى أبعد من ذلك، حينما يتضح أن فظاعات نظام الأسد قد تفوق جرائم بني صهيون، فعلى المستوى العددي مثلا فقد بلغ عدد شهداء غزة خلال الأيام الستة الأولى للعدوان 100 شهيد، بينما يبلغ شهداء سوريا في اليوم الواحد وسطيا، ما يزيد على ذلك، منذ عدة شهور. ومن المقارنات التي لابد أنها لوحظت أيضا أنه بينما تتمكن حركات مقاومة محدودة الإمكانيات، ومحصورة في بقعة مكشوفة، أن ترد الصاع صاعين للعدو، وأن تصل إلى عمق أراضيه بصواريخها المحلية، وتسبب له إزعاجا لم يكن يتوقعه، وتصيب سكان مدنه بالذعر، يعجز نظام الأسد وجيشه العرمرم، عن استرداد هضبة الجولان، رغم مضي خمسة وأربعين عاما على احتلالها، دون أن يسمح لأي مقاوم سوري أو فلسطيني النفاذ منها، لتنفيذ عمليات فدائية ضد العدو، بل ويعجز هذا النظام الذي لطالما وصف نفسه بالممانع ونصير المقاومة عن رد العدوان على أرضه، مثلما حدث عندما دمرت قوات الصهاينة اللبنة الأولى لمشروع مفاعله النووي قبل سنوات قليلة، أو أن يستهدف الطائرات التي تخترق مجاله الجوي، وتحلّق فوق قصور الرئاسة، منتهكة سيادة البلاد. ومن المفارقات في هذا المجال أن كتائب الأسد التي لطالما كانت أمام العدو الإسرائيلي الذي يهدد أمن سوريا وأمن الأمة، كالنعامة، تستأسد فقط ضد شعبها الأعزل، وتثخن فيه، في موقف لا يحتاج إلى مزيد من التعليق. وفي حين منع النظام السوري الإعلام الحرّ من نقل حقيقة ما يجري على الأرض منذ بداية الثورة السورية، واعتقل الصحفيين ونكّل بهم، وقتل من قتل منهم، يقوم العدو الصهيوني بشيء مشابه لذلك ألا هو قصف مقرات المحطات التلفزيونية والوسائل الإعلامية الأخرى، بغرض الانتقام من الصحفيين، ومنعهم من نقل الحقيقة من غزة المحاصرة للعالم، بعد أن فضحوا جرائمه على رؤوس الأشهاد. وعلى مستوى المواقف، المتعلقة بما يحدث بغزة الآن، حاول رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني أن يزاود على الدول التي وقفت إلى جانب الشعب السوري، في تطلعه المشروع للحرية ضد الأسد بقوله: على دول المنطقة أن "توجه قوتها إلى فلسطين لكي تقاتل الكيان الإسرائيلي، بدلا من توجيه القوة وإرسال السلاح إلى سوريا"، والعجيب الغريب أن نظام طهران هو أكبر من يدعم نظام الأسد بالسلاح والمال والمقاتلين، وتشير التقديرات إلى أن تكلفة هذا الدعم بلغت حتى الآن عشرة مليارات دولار، وربما يكون ذلك أحد أسباب تدهور العملة الإيرانية. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر؛ فإن إيران التي لطالما تبجحت بدعم المقاومة الفلسطينية، وحثت دول المنطقة على ذلك الآن، قد قامت بإيقاف دعمها نهائيا لحركة حماس مؤخرا، والسبب معروف، وهو موقف الأخيرة من سوريا. وفي حين يواصل حزب الله إرسال مقاتليه إلى سوريا، ويلوح مهددا من حين لآخر بأن إسرائيل في مرمى صواريخه، خصوصا إن استهدفت إيران، فإننا لم نر أثرا لصواريخه عندما حانت ساعة الجد، بعد عدوان إسرائيل الحالي على غزة، ولعله معذور، فالمقاومة الحقيقية برأيه ورأي ربيبة نعمته هي ضد ثوار دمشق ومع الأسد!!، وسبحان الله الذي كشف زيف المقاومة والممانعة، التي طالما زاود هو والنظام الإيراني والنظام السوري بها، وفضح حقيقة مواقفهم على الملأ. من المشاهد التي أثلجت الصدور أن مظاهرات سوريا وفي أول جمعة للعدوان الصهيوني، هتفت لغزة ونصرتها، لتظهر بذلك عمق التلاحم بين المقاومة والثورة، فكلاهما يواجه الظلم والاستبداد والاحتلال، وإنْ بصورٍ مختلفة، ومن هذه الشعارات التي رددتها الحناجر السورية، ورفعتها على اللافتات: "قدرنا وقدرك يا غزة أن ندفع الفاتورة عن العرب" و"يا غزة سوريا معك للموت". وكانت حماس وغزة قد هتفتا للثورة السورية، ورفضت الحركة أن تساوم النظام السوري على حرية الشعب السوري، وهو ما جعل هذا النظام المجرم يقتحم ويغلق مكاتبها، ويقلب لها ظهر المجن. وأخيرا، فإن ثوار سوريا يقفون حائرين إزاء موقف بعض القنوات الفضائية العربية المؤثرة، التي تنعت من يموت بقصف آلة الموت الصهيونية ونيرانها بالشهداء، وهم كذلك بكل تأكيد، في حين تسمي من يستشهد من الشعب السوري أو ثواره بالقتلى. ويرون في ذلك ـ وهم عاتبون ـ غبنا كبيرا لمن ضحى من السوريين من أجل الحرية والكرامة. هذه ملاحظات ومقارنات سريعة، وقد يكون لنا عودة أخرى للمزيد منها، في وقت لاحق إن شاء الله.