10 سبتمبر 2025

تسجيل

ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن؟

21 نوفمبر 2011

هذه الآية حكمة نزلت في نبي تجرع ظلم إخوته سلفا وظلم البلاط تبعا ولكن عممها القرآن الكريم لتكون خير عبرة للاستماع للحق والحكم بالعدل في أصعب بلاط للوصول فيه للحقائق "بلاط الملوك"... القرآن يجري في حكمه بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فحسب، فما بالكم في أعظم تمثيل وحكمة تنزل لنا في نبي، ولعل هذه الآية التي نزلت في تبرئة النبي يوسف عليه السلام وإخراجه من السجن الذي قبع فيه سبع سنوات ظلما وزورا بعد أن ظلمته اقرب الناس لوزير البلاط العزير "امرأته" وأقواها في سدة الحكم، إذ يشكل رأيها تصديقا لا تجادل فيه وهي بمثابة الآمر والناهي، فضلا عن إن حادثة دخول يوسف عليه السلام السجن وتهديده من قبلها لم تعد بحادثة شخصية ليطوي العزيز أو تطوي هي خصوصيتها بسجن يوسف عليه السلام فحسب، بل تعدت ذلك فأبرزتها امام ملأ من النسوة اللاتي قطعن أصابعهن بدلا من الفاكهة وجاءت في البيان القرآني "أيديهن" كناية بلاغية للدلالة على شدة جمال يوسف عليه السلام وشدة شغف امرأة العزيز به ورغبتها في انتصارها لكرامتها من النساء اللاتي لِكْنَ سيرتها قبل رؤيته وحدوث ما حدث لهن من شغف أذهلهن، فانتقمت "ذات المكانة القوية في البلاط" بالزج به في السجن ظلما. وسكتت وسكت عن الحق وقوله من يفترض فيهن الثبات في الشهادة فالشاهدات ملء من نسوة المدينة وخدم القصر أيضا ولم تتجرأ إحداهن أو أحدهم على التصريح للملك أو للعزيز حتى بان ذلك الرجل دخل السجن مظلوما.القرآن يريد أن يقول لنا: ومن يجرؤ في بلاط وزير الملك المقرب؟ وهل يرتجي شخص بسيط او خادم في البلاط بأن يشهد؟ رغم ان الأمر تجاوز الخصوصيات لأن امرأة العزيز جهرت بالتهديد: "إذا لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين" ولكن السكوت عن الحق قاعدة تكاد تكون عامة لدى معظم المقربين من البلاط ممن يطلق عليهم الممالئين، المنافقين، الامعات، أصحاب المصالح، عبيد المال، او الساكتين عن الحق لسبب او لآخر سواء كانوا رجالا او نساء أو خدما أي "الشياطين الخرس" وفي بلاط ملوك وحكام اليوم هم في تنوع وازدياد. حادثة يوسف طويت ونسيت وصبر يوسف على ذلك ولم يفصح عنها إلا بعد أن رأي الملك رؤيا "أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون" فذكر ساقي الملك يوسف ورؤياه التي رآها يوم ان كان في السجن معه، وذكر ه بعد سبع سنين، ومتى تذكره زميل السجن؟ عند الحاجة فقط؟ وهو الذي وعده في السجن ان يذكره عند ربه بعد خروجه وتنبأ يوسف له بانه سيكون ساقي الملك فأنساه الشيطان ذكر ربه، وهي تفسر لنا دنيا الناس والمصالح، لذلك قال تعالي: «و قال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة» أي بعد حين «أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون».. ولولا إشارة ربانية أرادها الله تعالى لتكون في الناس حكمة لم يكن لساقي الملك ان يتذكر فجاء إلى يوسف: «، أيها الصديق أفتنا في.....». ويا لعظمة وصف يوسف "الصديق" ففسرها يوسف لهم حالا وقد كان من الممكن ان يساوم على ذلك للخروج وفي ذلك قال "ص": لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له، حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجوني. "أو لو كنت مكانه لبادرتهم الباب، ولكنه أراد أن يكون له العذر ". وقد ذهل الملك من قوة تفسير الرؤيا والنصيحة التي وردت فيها، فقال ائتوني به اي اخرجوه من السجن. ولكن هذا هو بيت القصيد، هيهات هيهات ان يخرج يوسف الصديق من السجن اعتباطا الا بعد ان يُثبت وتُعلن براءته أمام الملأ بعد هذه السنوات السبع العجاف الظالمة في السجن إذ لم تكن بسيطة بل هي بقدر السنوات السبع العجاف التي اقضت مضجع الملك واخذ يولول فيها بحثا عن تفسير لرؤياه المزعجة.. فكرامة الانسان وبراءته اشرف من اطلاق سراحه او تقليده اي منصب ولكن ماذا قال يوسف: ارجع إلى ربك..............يعني إلى الملك فاسأله: ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن؟ إن ربي بكيدهن عليم. فسألهن وقلن: "حاش لله ما علمنا عليه من سوء" قالت امرأة العزيز: "الآن حصحص الحق " الخ الاية المهم انها اعترفت "إنه لمن الصادقين" أي اعلنت براءة يوسف من كل الجهات "في البلاط وخارج البلاط". إنه لمثل عظيم يبينه لنا سبحانه وتعالي في هذا الموقف الذي ينسحب على كل صغيرة وكبيرة بيننا في الحياة في دوائر محيطنا الاجتماعي والسياسي خصوصا ان هناك الكثير من الأفراد في مجتمعاتنا يظلمون بشكل او بآخر خصوصا اولئك الذين تقتضي ظروفهم اقترابهم أو احتكاكهم من بلاط الملك او وزارته أو حاشيته دون ان يكون لهم مدخلا او منفذا او مجالا او قناة مباشرة لايصال صوتهم وقول كلمة الحق ودون ان يتورع الآخرون من المقربين القابعين في البلاط من التدليس والمكر والتزوير والحيد عن شهادة الحق في الرضا والغضب ودون خشية الله في الغيب والشهادة، بل قد يكون من المقربين من البلاط وللأسف من يكونون مضللين عن الحق أو موصدين لأبواب الحق أو مزورين له "ظلما وبهتانا" دون ان يبدو عليهم ذلك رغم سهولة كشفهم، والسجن الذي يلحق بالمتضررين منهم اليوم ليس بالضرورة هي تلك القضبان الحديدية بل هي سائر أنواع الظلم، فيظلم من يظلم ويسجن من يسجن او يطر د من يطرد او يبعد من يبعد أو حتى تهدر سمعة من يراد من قبلهم إهدار سمعته ظلما دون رحمة ودون ان يجشم احد من "آل البلاط" العناء في البحث عما وراء المسجونين او المبعدين او المظلومين من كذب وافتراء أو مكر او دسائس او فتن او كذب وبهتان وخداع قد يعمي الحقائق سنين بما يضر البلاط ايضا الى ان يشاء الله ان تظهر. يوسف عليه السلام لم يأكله الذئب، يوسف عليه السلام لم يخلد في السجن، بل اجلّه الله ونزل براءته في القران، بل وسجد له "مجازا" أحدَ عشرَ كوكبا بل والشمس والقمر " وورفع الله قدره وقلده وزارة الخزينة وانتصر له ولأخيه من ظلمين "ظلم الاخوة وظلم البلاط" ليكون مثلا وعبرة في ان الظلم يقع على أشرف البشر وفي إن أقوى الظلم يقع من اقرب البشر وفي إن أقوى الظلم يقع في أعلى مراتب القوة والصولجان "بلاط الملك". إنها آية كل مكان وزمان التي تقتضي أن يعود كل ملك لتفحص بلاطه دون ان تكون هناك رؤيا تقتضي استدعاء "الصديقين". كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com