11 سبتمبر 2025
تسجيلأبو الحسن علي الندوي هو مفكر إسلامي وداعية هندي عاش في القرن العشرين. وكان مؤرخا وعالما، ومؤلفا لخمسين كتابا بمختلف اللغات. الكتاب المعنون «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» هو من أبرز أعماله، وقد ألفه في فترة الثلاثينيات من عمره، رغم عدم وجود مراجع عربية تساعده في عملية التأليف. لأن ذلك العهد كان قريبا بالحرب العالمية الثانية، وكانت الصلات تكاد تكون منقطعة بين الهنود والبلاد العربية. وكانت الهند تستورد قليلا من الكتب العلمية والمراجع باللغة العربية. وأثناء كتابته قام بإرسال رسائل إلى العديد من المكتبات في البلاد العربية للمراجع، واعتبر هذا الكتاب تحديًا شخصيًا وفريدًا له. وألف كتابا آخر بعنوان «قصة كتاب يحكيها مؤلفه» ويصف فيه مراحل تأليف هذا الكتاب المذكور. حينما بدأ بتأليفه، لم يقدر له أي سفر خارج الهند من قبل، خاصة إلى الدول العربية. وكانت الرحلة الأولى هي التي قام بها لأداء فريضة الحج عام 1947، بعد ثلاث سنوات من تأليف الكتاب. فكانت في الحقيقة مغامرة علمية له. ويقول: «كان من الجسارة أن أتناول هذا الموضوع الذي كان جديرا بقلم أكبر من قلمي، وبعقل أوسع من عقلي، وبتجربة أطول من تجربتي كمؤلف، ولكن الله يفعل ما يشاء». ألف الكتاب على تردد وتخوف، لأنه كان جديدا في مجال التأليف في اللغة العربية، وكانت صلته بهذه اللغة صلة دارس يولد بعيدا ويعيش بعيدا عن مراكز الثقافة العربية. وكان في شك، هل ينال هذا الكتاب تقديرا في البيئات العربية والإسلامية البعيدة؟ بعد الانتهاء من الكتابة، أرسل محتوياته إلى أحمد أمين بك، الكاتب المصري المشهور عالميًا. وفي تلك الأيام كان أحمد أمين قد نال إعجابا من القراء والباحثين لكتبه «فجر الإسلام» و «ضحى الإسلام». أراد الكاتب أن يصدر كتابه من قبل المؤسسة العلمية التي يترأسها أحمد أمين. وبعد أيام حدثت فيها مراسلات بينه وبين أحمد أمين، تلقى المؤلف رسالة من أحمد أمين وهو يخبره بأن اللجنة قررت طبع الكتاب. ويقول المؤلف عن هذا اليوم الذي قرأ فيها هذه الرسالة: «من أعظم أيام العمر فرحا وسرورا». ومضت على ذلك شهور والكاتب لا يعلم مصير الكتاب وتقديره بين أوساط العرب. وفي أثناء تلك المدة سافر إلى الحجاز للمرة الثانية، فزار في هذه المرة جواد المرابط سفير سوريا في السعودية وفوجئ بنسخة هذا الكتاب عنده في مكتبه، وكان الأستاذ جواد عضو المجمع العلمي بدمشق، ونسخة هذا الكتاب كان قد استصحبها من القاهرة في زيارته القريبة لمصر، وما أن لبث أن يذكر أنه من الهند، أبدى إعجابه بعمق فكر علماء الهند وأصالته مستشهدا بهذا الكتاب، وهو لا يعرف أنه يتكلم مع مؤلفه. فأخبره أبو الحسن الندوي بكل تواضع بأن هذا الكتاب من تأليفه. ويذكر المؤلف عن هذه اللحظة أنه أعظم وسام يحصل عليه في مسيرته العملية. وسافر المؤلف الشاب إلى مصر يناير 1951، فوجد أن الكتاب قد قرئ في نطاق واسع بين أوساط المعنيين بقضايا إسلامية، واستقبلوا مؤلفه بكل حماس حتى تلقى دعوة من سيد قطب لحضور ندوة تجتمع في منزله في كل جمعة، تبحث في موضوعات إسلامية، وكان موضوع ذلك اليوم تلخيص كتابنا المذكور «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين» وهذه الدعوة كانت رمزا لتقدير مجهوداته العملية. وفي غضون سنوات قليلة، أصبح هذا الكتاب مشهورا لدرجة كبيرة في دول العالم العربي. وقام الكاتب سيد قطب بكتابة مقدمة مؤثرة للكتاب الذي تمت إعادة نشره للمرة الثانية في مصر عن طريق ناشر جديد. وفي ختام مقدمته، أشاد بالكتاب بشكل لافت، مستشهدا بكلام الله تعالى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ- (ق-37).