19 سبتمبر 2025
تسجيلكنت كالعادة في حوالي الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل، أستمع الى صوت العرب، حيث قُطع الارسال، وتحدث المذيع عن بيان هام لنائب رئيس الجمهورية محمد أنور السادات، فإذا بصوته الرخيم المتعب "فقدت الجمهورية العربية المتحدة وفقدت الأمة العربية، وفقدت الانسانية كلها، رجلا من أغلى الرجال، أشجع الرجال هو الرئيس جمال عبد الناصر"، لم استوعب الخبر لأنه صادم وبلا مقدمات، والكل حولي نائم، والسكون يخيم، وكنا ننام في غرفة كبيرة أنا وإخواني، لم أدر ما أفعل، وحتى الصباح وقت الفطور لم أتكلم حتى سألني والدي فبكيت وأخبرته، فرد بإيمان عميق "إنا لله وإنا إليه راجعون". لست هنا بصدد التقييم ولا المدح ولا الذم، أنا بصدد ملاحظة ظاهرة لن تتكرر، كيف وصل هذا الرجل الى قلوب كل هذه الملايين، لا تقل لي الدعاية؟ فالدعاية اليوم على اشدها لم تصل بأحد الى قلوب الناس كما وصل هو اليها، الكبار، الصغار، الشيوخ، الأطفال، الحكام والمحكومين، العمال والموظفين، العجائز والارامل والأغنياء والفقراء، ولا يمكن أن تجتمع الأمة إلا عن لا اقول كل الصدق ولكن على أن هناك جوهرا صادقا. الشعور الأول دائماً هو الشعور الأصدق، ما يتمثل للوعي في قصديته الأولى هي حقيقة الانسان وجوهره، حتى من كان يكرهه يحترمه، أعداؤه كانوا يحترمونه، الدكتور عبدالله النفيسي في برنامج الصندوق الأسود، وهو معروف بكرهه لعبد الناصر بل والمزايدة في ذلك ذكر بإدراك أو غير إدراك، ذكر أن الانجليز خوفاً من امتداد النفوذ الناصري فرضوا على دول الخليج الانفتاح على شعوبهم، وممارسة شكل من اشكال الديمقراطية، الحركة العمالية في المنطقة خسرت وجوده ودعمه لها، قضية الاهواز العربية ماتت بعد رحيله. متى كان الخليج او بعض دول الخليج مجالاً لإضراب العمال مطالبين بتحسين اجورهم الا في زمنه. لا أدعو الى تقديسه، فهو بشر كثير الأخطاء وزعيم له ما له وعليه ما عليه، مستبد ضمن سياق الاستبداد في تاريخنا العربي، الصراع على السلطة والقتل في سبيل تحقيق ذلك سياق كذلك متجذر في تاريخنا، لا يمكن تبريره، ولكن كذلك لا يجب إغفاله، لكن حتى نتجاوزه لا يمكن أن نشتمه ونعلقه مشجبا لهزائمنا وما يمر بنا اليوم بعد وفاته بنصف قرن، الإشكالية الذين أتوا بعده إما عانوا من تأثيره أو حاولوا التخلص من شبحه بالاستغراق في تفاصيله. وكل نسخ تقليده سقطت، لأن النسخة الاصلية هي النسخة الصادقة، لا أدعو الى شيء سوى الايمان بأنه كان صادقاً، لذلك أحبته قلوب الصادقين البسطاء، لا أدعو الى شيء سوى انه كان مؤمنا بالارادة العربية وبقضية العرب الأولى فلسطين. إذا ارتكزنا على هاتين الدعامتين؛ الصدق، والإرادة العربية، نكون استخلصنا من تجربته خلاصتها، لكننا ننطلق من عقلية النقاء والعصمة، وننسى أن حتى صحابة الرسول الكريم لم يتمكنوا منها ومن حيازتها، حينما يعجز الحاضر يستدعي الماضي كضحية لتبرير عجزه. [email protected]