13 سبتمبر 2025
تسجيلالاشتباك بالأيدي داخل القنصلية.. ألا يتطلب تدخل القنصل أو السلطات التركية؟ الجواب من عنوانه.. فأين هي العدالة التي بدأت تأخذ مجراها والجثة مفقودة؟ تشكيل لجنة لإعادة هيكلة الاستخبارات بعد الحادث مهزلة مرفوضة عالمياً معرفة مصير جثة خاشقجي أكثر شوقاً لشعوب العالم من أي مسلسل درامي؟ هل يكذب الأمراء وعلى من يضحك النظام السعودي؟ ألا يوجد لدى القيادة السعودية أجهزة تقيس اتجاهات الرأي العام على قراراتها المثيرة للسخرية؟ 19 يوماً مرت والموقف السعودي يشهد اضطراباً شديداً في قضية اختفاء الصحفي جمال خاشقجي، وتطور رد الفعل السعودي من الصمت في بداية الحادث ثم الإنكار والمراوغة وحشد العالم وراء أفكار ضالة، بأن هذه حملة إعلامية ظالمة على السعودية، لينتهي الأمر بالاعتراف رسمياً عن مسؤولية سعوديين في ارتكاب الحادثة، ولم يأت هذا الاعتراف إلا بعد غضب دولي واسع، وإن كانت أعقبته سخرية أوسع من التبرير الساذج للجريمة. وللتذكير، فإنه منذ الثاني من أكتوبر التزمت السعودية الصمت، ليخرج بعد أكثر من 24 ساعة سفيرها في أنقرة، وليد الخريجي مؤكداً عدم معرفة بلاده بمكان وجود خاشقجي. وأصدرت القنصلية بياناً قالت فيه: «نتابع ما ورد في وسائل الإعلام عن اختفاء خاشقجي بعد خروجه، ونقوم بإجراءات المتابعة والتنسيق مع السلطات التركية لكشف الملابسات». وبعد ثلاثة أيام، يخرج ولي العهد السعودي بتصريحات لوكالة بلومبيرغ يعرب فيها عن استعداد المملكة للسماح لتركيا بتفتيش القنصلية، مضيفا: «ليس لدينا ما نخفيه، خاشقجي خرج من القنصلية بعد دقائق أو نحو ساعة». وفي اليوم التالي يقوم القنصل السعودي محمد العتيبي» بجولة برفقة وكالة «رويترز» داخل القنصلية، نافياً معرفة مكان وجود خاشقجي. وتواصلت فصول المراوغة السعودية حتى ضاق بهم الحال ولم يجدوا مفراً من الاعتراف. فبالأمس، اعترفت السعودية رسمياً بمقتل خاشقجي داخل القنصلية، لكنها قالت إن الجريمة حدثت خلال اشتباك بالأيدي بين جمال وسعوديين تواجدوا داخل القنصلية، وقالت النيابة العامة السعودية إن الموقوفين عددهم 18 شخصاً. الرواية السعودية تثير من الأسئلة أكثر مما تبرر للجريمة، فأين هي جثة الراحل؟ ولماذا هذا الإنكار رغم معرفة الحقيقة؟ وكيف يكذب الأمراء؟ وهل يصدق العالم كذبهم بهذه الطريقة الفجة التي يبررون بها الجريمة؟ من يصدق أن شجاراً بالأيدي يقع داخل قنصلية ينتشر بها رجال الأمن المكلفون بالتقاط أي خروج على النص من جانب أي متردد على القنصلية، وما أدراك ما القنصليات السعودية، حيث لا يسمح لأي متعامل معها برفع الصوت، فضلاً عن الشجار، فيكف يتشاجر 15 شخصاً مع رجل أعزل لا يحمل حتى هاتفه ويوقعونه قتيلاً دون أي تدخل أمني؟ وبعد وقوع الجريمة، ألا يكون من المنطقي قيام الأمن باستدعاء سيارات الإسعاف لنقل الضحية إلى أقرب مستشفى في اسطنبول أملاً في إنقاذ حياته؟ ولماذا لم يتم إبلاغ السلطات التركية بالحادث؟ وكيف نفسر للعالم هذا التضليل الذي حاول به النظام التنصل من الجريمة طوال هذه الأيام بإنكاره؟ على من يضحك النظام السعودي؟ هل يدرك من أصدر هذه البيانات المشوهة أنه بذلك يزيد في الصورة المشوهة للسعودية؟ لقد سارعت الصحف السعودية - المعروف أنها أبواق للنظام لا تجرؤ على تقديم النصيحة له - سارعت إلى عنونة صحفها بأن العدالة بدأت تأخذ مجراها، فأين هي العدالة، وكما يقال: الجواب من عنوانه، والكذب كما كان عنوان المرحلة السابقة سيكون عنوان المرحلة المقبلة وسنسمع مبررات فوق تصور أصحاب العقول لكيفية اختفاء الجثة وكيفية تقطيعها، وربما يقال إن الضحية وقع على الأرض فانقسمت جثته إلى سبعة أجزاء ومع الهرج والمرج الذي صاحب الحادث فقدت القنصلية أثر الجثة. هل يدرك النظام السعودي أن العالم كله يشاهده في العملية الخطيرة التي ارتكبها، والتي ظن مرتكبوها أنها سرية، فإذا بها تدور في جميع أنحاء العالم وأصبح مصير جثة خاشقجي أكثر شوقاً لشعوب العالم من أي مسلسل أمريكي أو مكسيكي أو تركي؟ كان يجب على النظام أن يقف وقفة متجردة مع نفسه، لكن واضح أنه لا يسمع حتى نفسه، ويمضي في قمعه بلا حدود ويمضي في المخاطرة بدولة بحجم مملكة لا لشيء، إلا للتشبث بالحكم وإقصاء الآخرين. لم ينازع أحد ولي العهد السعودي على منصبه، حتى الفقيد جمال خاشقجي كان دائماً يردد أن في رقبته بيعة، وكافة شعوب الأرض كانت تعرف أن ولي العهد سيخلف الملك بلا منازع، لكن العالم لم يعد واثقاً في قدرة هذه القيادة على إدارة المملكة بثقلها الإقليمي وعلاقاتها المتشعبة وهي تسبح في بحر الكذب والقمع ولا تزيد إلا غياً وضلالاً وتحاول استغفال العالم بعد أن قمعت شعبها. القضية خرجت من كونها سعودية أو تركية إلى قضية عالمية، وكباش الفداء التي بدأ تقديمها من جانب النظام في الرياض، وتحميل الجريمة لبعض الأفراد هنا أو هناك ، لن ينهي سخط العالم على السعودية ونهجها القمعي، فالعالم به منظمات حقوقية وبه ديمقراطية وبه حرية تعبير ولديه عقل ويعرف من ارتكب الجريمة ومن حرض عليها ومن أصدر الأمر بارتكابها في حرم القنصلية - قنصلية خادم الحرمين الشريفين - وسعود القحطاني الذي تم إعفاؤه بالأمس، قالها صريحة أنه لا يقدح من رأسه وأنه ينفذ أوامر سيده ولي العهد، وأنه دائماً يتباهى أنه مقرب للغاية من ولي العهد، فضلاً عن عسيري الذي عُرف بقمعه للإعلام، ومن شدة إعجاب ولي العهد به وبحكمته التي غابت في اليمن، عيّنه في جهاز الاستخبارات، وهو من المتورطين الرئيسيين في الجريمة وتردد اسمه في متابعة النشطاء المعارضين في الخارج، فضلاً عن ماهر مترب أحد القيادات الأمنية التي ترافق ولي العهد في سفرياته، وكان من الخمسة عشر عنصراً الذين تشاجروا بالأيدي مع جمال خاشقجي، وللمصادفة كان صلاح الطبيقي مديرُ الطب الشرعي بالأمن العام السعودي، موجوداً في المشهد الدموي وبحوزته منشار جرى به تقطيع جثة الراحل. إن تسجيل الاتصالات بين المنفذ الرئيسي ماهر مترب ومكتب ولي العهد يبدد أي شكوك في مسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن الجريمة، ويطعن في رواية النيابة السعودية، فضلاً عن الأدلة التي لدى أجهزة المخابرات العالمية. كفى دجلا ،، كفى كذباً. يجب أن نحترم عقلية البشر ولا نزيد في سخرية العالم من شخصية هذه القيادات الساذجة التي تخوض مغامرات إقليمية يائسة في اليمن، وفي حصارها لقطر، واختطافها لرئيس وزراء لبنان، واعتقال الأبرياء وممارسة القمع، وفي افتعال أزمات في المنطقة لا مبرر لها، وصدور الأمر بإعفاء نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد عسيري، والمستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني من منصبيهما لا يعتبره العالم مقنعاً، ويزيد من السخرية استكمال المسرحية الهزلية بتشكيل لجنة برئاسة ولي العهد، لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة وتحديث نظامها ولوائحها وتحديد صلاحياتها بشكل دقيق، وكأن خاشقجي قضى بسبب الخلل في هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة! وكيف سيكون الجلاد هو الحكم وكيف سيقبل العالم هذا التخريج السيئ للحادث؟ السؤال الأشد قسوة توجهه الأجيال الجديدة على مسامع الكبار، فهل يكذب الأمراء؟ وهل يخافون من تحمل المسؤولية بهذا الشكل القبيح، وهل هم بالغباء الذي يبررون به الجريمة بأنه مجرد شجار بالأيدي؟ تربينا على قصص التراث العربي التي كانت شخصية الأمير فيها تحمل كل معاني الصدق والنقاء والشجاعة والذكاء، لكن الجريمة التي نحن بصددها تكشف عن نمط جديد من الأمراء الذين يتهيأون لقيادة المملكة، أمراء يثيرون الشفقة، فلا صدق ولا شجاعة ولا نقاء ولا ذكاء. [email protected]