13 سبتمبر 2025

تسجيل

السعودية.. الطبل الأجوف

21 أكتوبر 2018

التزمت السعودية، رسمياً وشعبياً، الصمت أمام استهزاء الرئيس الأمريكي ترامب بالسعودية وملكها، حتى وصل الأمر أن هددها بفرض «عقاب شديد» عليها في حال ثبوت ضلوعها باغتيال الصحفي والكاتب السعودي جمال خاشقجي. هذا التهديد العلني أدى إلى قيام العديد من المؤسسات والشركات الاقتصادية، والإعلامية العالمية، وكبار المستثمرين، بإعلان مقاطعة مؤتمر «مستقبل الاستثمار» في الرياض، وتجميد مشاريع عدة معها. وبسبب هذا التهديد وما نتج عنه، قامت السعودية تزبد وترعد، وتتهدد وتتوعد محذرة العالم، وبالذات أمريكا من الرد السعودي، حيث نشرت وكالة أنبائها «واس» أن «المملكة تؤكد رفضها التام لأي تهديدات ومحاولات للنيل منها سواءً عبر التلويح بفرض عقوبات اقتصادية، أو استخدام الضغوط السياسية، أو ترديد الاتهامات الزائفة» وصرح المصدر المسئول بوزارة الخارجية (الذي لم ينشر اسمه ولا منصبه) أن السعودية «إذا تلقت أي إجراء فسوف ترد عليه بإجراء أكبر». ولكن البيان الذي نشرته «واس» لم يتضمن أي نوع من الإجراء الذي سترد به السعودية على تلك التهديدات، بل ذكر البيان فقط أن السعودية «بوصفها مهبط الوحي وقبلة المسلمين قد لعبت دوراً بارزاً عبر التاريخ في تحقيق أمن واستقرار ورخاء المنطقة والعالم، وترسيخ السلام والاستقرار في المنطقة والعالم» (واضح جداً هذا الدور السعودي). وهنا تدخل أحد الكتاب (والذي يصف نفسه بأنه من الأشخاص المقربين من ولي العهد السعودي وانه على إطلاع بما يدور في أروقة اتخاذ القرار السعودي) في مقال، نشر بتاريخ 14/10/2018، بشرح البيان قائلاً «إن الرياض تدرس اتخاذ ثلاثين إجراءً سعودياً مضاداً لأي عقوبات أمريكية قد تقع عليها». وذكر الكاتب بعضاً من هذه الإجراءات، وليس كلها، ولننظر ما كتبه: ➊ التهديد بقطع الإمدادات النفطية: إن السعودية، وكما هو معروف، تعاني من شح في السيولة النقدية، وعجز في الموازنة العامة، اضطرت على إثره بالبحث عن قروض دولية لسد هذا العجز. وعليه فإنه من المستحيل، من وجهة نظري، أن تقلص الإنتاج النفطي ولو ببرميل واحد. في نفس الوقت هي بحاجة إلى الغاز الطبيعي المصاحب للنفط لتشغيل مصانعها في الجبيل وينبع، وإدارة محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه، ولو حدث أي انخفاض في إنتاج النفط، فسيتبعه انخفاض في إمدادات الغاز الطبيعي. فتطبيق هذا الخيار يعني ببساطة شديدة بأن جميع القطاعات في السعودية سيصيبها الشلل التام. ➋ تسعير النفط بغير الدولار: ونقول كان غيركم أشطر. لقد حاول عدد من الرؤساء «مجرد التفكير» في تبني هذا النهج، ولكن تم انتزاعهم من كرسي الحكم بالقوة العسكرية. ➌ التقارب مع إيران: لا تستطيع السعودية التحالف مع إيران حتى ولو أرادت، لأن هذا التقارب يعني انتهاء الشماعة التي كانت السعودية تخوف بها شعبها في المقام الأول، ودول المنطقة في المقام الثاني، وبزوال هذا الخلاف السعودي الإيراني سيدب خلاف آخر قد ينزع آل سعود من كرسي الرئاسة. ➍ التقارب مع روسيا والصين: حاولت السعودية، في فترات سابقة، التقارب مع كل من روسيا والصين، ولكن هذه الدول، مع ما يعتريها من فساد إداري ومالي، تتعامل بندية وبطريقة فوقية لا يمكن لأي علاقة أن تستمر إلا بالخضوع الكامل للنظام الاشتراكي، وهذا أمر تخاف منه السعودية، لأن ذلك يعني مشاركة الشعب في الحكم، وفي الثروة، وفي وسائل الإنتاج. ➎ تحول «حماس» و«حزب الله» من عدوين إلى صديقين: ربما تتحول حماس إلى منظمة صديقة للسعودية، ولكن ذلك سيفقد السعودية احد أسس الخلاف مع دولة قطر. أما تحول ما يسمى «حزب الله» إلى صديق للسعودية فهو من الأمور المستحيلة، لأن هدف هذا الحزب الأول والأخير هو القضاء على حكم آل سعود وعلى السعودية. ➏ وقف شراء الأسلحة من أمريكا: لا تستطيع السعودية وقف استيراد السلاح والمعدات العسكرية من أمريكا، لأن ذلك يعني استغناء السعودية عن ترسانتها العسكرية ذات المصدر الأمريكي بالكامل، وفي نفس الوقت ستفقد السعودية الدعم العسكري الأمريكي لها في اليمن، أو في سوريا. فبمجرد ذهاب الدعم اللوجستي الأمريكي فإن السعودية ستتكبد خسائر بشرية ومادية لا حصر لها، وبخاصة في اليمن، وقد يتطور الوضع بدخول القوات اليمنية إلى أجزاء كبيرة من منطقة عسير اليمنية الأصل. ➐ إغلاق الأسواق السعودية أمام البضائع الأمريكية: والذي يقرأ هذه العبارة سيعتقد أنه يتعامل مع دولة ذات أعداد كبيرة من السكان مثل الهند والصين. السوق السعودي أضعف مما يتخيله الإنسان العاقل، فغالبية سكانه من العاطلين عن العمل، أو من ذوي الدخل المحدود، مع وجود شريحة كبيرة منهم تعيش دون خط الفقر، وهذه الفئات ليس عندها قدرة شرائية نستطيع القول إنها تمثل سوقاً جاذباً. ➑ تصفية أصولها واستثماراتها في أمريكا: تبلغ الأصول والاستثمارات السعودية في أمريكا حوالي 800 مليار دولار. فقبل أن تقرر السعودية سحب هذه المبالغ فإنه سيتم تفعيل قانون جاستا، وسيتم التحفظ على تلك الأموال والاستثمارات كمبالغ تعويض محتملة لمتضرري 11 سبتمبر. وختم الكاتب مقاله بالقول «هذه إجراءات بسيطة، ضمن ما يزيد على ثلاثين إجراءً ستتخذها الرياض، مباشرة، دون أن «يرف» لها جفن» وأضاف الكاتب «الحقيقة أن واشنطن بفرض عقوبات على الرياض ستطعن اقتصادها في مقتل، وهي تظن أنها تطعن الرياض وحدها». الكاتب بدا له أن ما كتبه والذي استشفه من أروقة متخذي القرار السعودي، سيخيف دول الضغط على السعودية ولكن هذه القعقعة أخافت السعودية أكثر مما أخافت به غيرها من الدول فقامت على الفور، وعلى لسان كبير المستشارين في السفارة السعودية في واشنطن، نافية ما ورد في مقال الكاتب مدعية أن ما كتبه الكاتب إنما هو رأي شخصي لا يعبر عن الرأي الرسمي السعودي، وأجبر الكاتب بعد ساعات من نشر مقاله التهديدي على التراجع عن تأكيده بأن المقال مبني على معلومات من مصادر في الحكومة السعودية وأنه فقط وجهة نظر شخصية ولا يمثل السعودية رسمياً. وفي الختام نذكركم بقصة من قصص دمنة حيث قال: زعموا بأن ثعلباً جائعاً أتى على غابة فيها طبل ملقى إلى جانب شجرة، فإذا هبت الريح تحركت أغصان الشجرة وأصابت الطبل فصوّت صوتاً شديداً. سمع الثعلب ذلك الصوت فتوجه نحوه حتى انتهى إلى الطبل، فلما رأه ضخماً قال في نفسه: إن هذا لخليق بكثرة الشحم واللحم، فعالجه أشد العلاج حتى شقّه، فلما رأه انه أجوف، قال: لعلّ أفشل الأشياء أعظمها جثة وأعظمها صوتا. وكما اكتشفنا أن الجيش السعودي إنما هو نمر على ورق، عرفنا أن السعودية بعد نفيها ما يدور في أروقة متخذي القرار، مما جاء على لسان أحد المقربين لها، ظهرت أنها صوت ودوي فقط بدون أي تأثير، وهي بهذا أشبه «كمثل الطبل يسمع من بعيد وباطنه من الخيرات خالٍ». ونقول لهم خذوا الدروس من قطر. فقد قامت أمريكا، في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر لأمر تريد إجبار قطر عليه. وقام وزير دفاعهم، بكل وقاحة، صارخاً بأن «على قطر تنفيذ ما نطلبه منها». قامت قطر وبدون ضجة وبحركة بسيطة بإجبار نفس الوزير، في أقل من 12 ساعة، بالتصريح بلهجة فيها التودد واضحاً «نحن وقطر أصدقاء ولن نجعل أي مشكلة تؤثر على علاقتنا معها»، وعلى أثره عادت العلاقات الدبلوماسية مرة أخرى، وبدون تنفيذ ما تريده أمريكا. فديت ترابك يا قطر.. صحيح أن «القوة مليحة». والله من وراء القصد. [email protected]