23 سبتمبر 2025

تسجيل

يرحل المبدع.. ويبقى الإبداع

21 أكتوبر 2018

إذا كانت وفاة الفنان المسرحيّ عبد العزيز جاسم- رحمه الله- قد أخذت حيزا واسعا من التداول في ساحة التواصل الاجتماعي باختلافها وباختلاف وسائطها، بنعيه والترحم عليه والبكاء على فقدانه.. وإذا كان الحزن الصاخب الذي صاحب رحيله عم الكثير في الوسط الفني والمجتمعي ليحدث صدمة، ليس لوقوع الموت الذي سيتجرعه كل إنسان مهما امتد عمره، ولكن لمفاجأة خبر رحيله، فإن ذلك لا شك هو تقدير للفن برسالته السامية وتقدير لمصداقية الفنان في التعاطي مع عمله الفني. فلم يكد مجتمعنا الخليجي يسدل ستار الحزن عن فقيد الكوميديا المسرحية الخليجية الفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا- رحمه الله- الذي ترك إرثاً مسرحياً خالداً جمع بين فصوله الابتسامة والنقد بروح الكوميديا وكأنه لم يرحل، حتى ترفع الستارة مرة أخرى عن فقدان الفنان عبد العزيز جاسم، الذي من عرفه وصاحبه وتعامل معه يشهد له بدماثة خلقه وطيبة قلبه وابتسامته الدائمة، فالوجوه التي أضحكها قبل موته اليوم تبكي رحيله، وكيف لا فلم يعرف الحزن طريقا إلى محياه وهو يقف شامخاً واثقاً على خشبة المسرح ليقدم رسالته الفنية السامية التي يُؤْمِن بها من أجل الوطن، ويسهر من أجلها لأبناء الوطن، ويتحمل سهرها وتعبها من أجل إسعاد الآخرين، ورسم الابتسامة على وجوههم، هذا هو الفنان الحق الذي يعطي بلا حدود وبلا مقابل وبلا مساومة، يُؤْمِن برسالة فنية سامية تجّسد سطورها قضايا الوطن وهموم المواطن، هل يمكن أن ننسى مسرحيته «ديرة العز» 2017 المسرحية السياسية الساخرة التي تحاكي أزمة الحصار المفتعلة، والتي حققت نجاحا جماهيريا كبيرا بما جسدته فصولها للواقع الوطني المؤلم الذي تعيشه دولة قطر نتيجة المؤامرة الشنيعة التي نسجت خيوطها دول الحصار الجائرة ضدها وبقالب فكاهي نقدي سياسي، أم ننسى مسرحيته «طار الوزير» الذي تناول فيها عرض بعض السلوكيات السائدة في المجتمع ونقدها وطرح بعض القضايا التي تهم الناس في إطار كوميدي بأحداث مشوقة، كما لا ننسى مسرحيته الكوميدية «بشت الوزير» عام 1990 التي ناقش فيها الفساد الاداري والاختلاسات المالية وغيرها الكثير من الأعمال المسرحية « التي لاقت اهتماما جماهيريا ليس لفكرتها فحسب بقدر ما يحمله هذا الفنان القدير من الصبغة العفوية الفكاهية التي تجاوزت مسرحياته الى أعماله التلفزيونية التي قدمها «بيوت للايجار» «يوم آخر» «حكم البشر» «البيت الكبير» «رصاصة رحمة « و»فرصة ثانية» وغيرها. .. لقد اتشح مسرح قطر الوطني حين الإعلان عن وفاته بالسواد حدادا وحزنا على رحيله، وأُطفِئت الأنوار في مبناه الذي وطأت قدماه على خشبته، تسبقه رسالته التي يحملها على عاتقه، وشهدت أرضه مسيرته الفنية التي توقّف نبضها عند مسرحية «بيت العز» مع توقف نبض قلبه ليرحل الى العالم الأبدي الآخر تاركا في قلوب محبيه ألماً، وبين زوايا المسرح فراغاً، وللوطن وللخليج إرثاً فنياً سامياً، حيث لم تمنع الأزمة الحالية وحصار قطر من المشاركة الوجدانية لمحبيه وزملائه من المشاركة في إبداء حبهم وحزنهم ألماً على فراقه عبر وسائل التواصل أو بالحضور، والثناء على سيرته الانسانية الطيبة المتواضعة بروح البسمة العالية، ذكرّنا هذا الموقف المحزن برحيل الفنان القطري الموسيقار المبدع عبدالعزيز ناصر الذي مرّ على رحيله أكثر من عامين، ولم يُستشعر برحيله لأعماله الفنية الوطنية والإنسانية الخالدة والسلام الأميري نموذج لإبداع راسخ لأجيال قادمة. .. وإنها الحياة الفانية والأقدار الواقعة، ولكن من يتربع على جسر حافل بالعطاء والعمل من أجل الآخرين وإسعادهم، تلك هي روعة الرحيل التي تبقى للإنسان، عبد العزيز جاسم رحمه الله ومن سبقه في الرحيل، ومن بقى منهم من المبدعين على منواله في أي عمل وفِي أي مجال يهدف لخدمة الانسان والوطن بلا مراوغة وبلا إسفاف ولا نفاق ولا تشويه تبقى أعمالهم وسيرتهم البصمة التي ترسم محاسنها على جداريات الأوطان كما قال الشاعر: الذكر يبقى زماناً بعد صاحبه وخالد الذكر بالإحسان مقرونا رحل عبد العزيز جاسم رحمه الله إلى دار الخلد وهو الذي طالما أسعدنا وأضحكنا وحمل همومنا.. رحلة طويلة لا يدرك صياغتها ومكنونها إلا الله، «كل من عليها فان» كما قال تعالى، ولكن ألم الوطن على رحيله أكبر، وستبقى أعماله الفنية مغروسة في القلوب ومتداولة بين محبيه، وكأنه لم يرحل.. عزاؤنا للوطن ولأبناء الوطن ولذويه ولرفقاء دربه من الفنانين الذين جمع بينهم وحدة العمل الفني ووحدة الهدف، رحمه الله رحمة واسعة وغفر له وأسكنه فسيح الجنان و»إنا لله وإنا إليه راجعون».