12 سبتمبر 2025
تسجيلمن الأمور التي تركت ارتياحا في نفسي أن يكون رجل الأعمال السعودي "سليمان الراجحي" في المركز السادس بين قائمة الأثرياء الأكثر تبرعا في العالم، وفقا لموقع "بيزنس إنسيدر" الذي أصدر قائمة الـ20 شخصية الأكثر سخاء في العالم بالتعاون مع مركز أبحاث "إكس ولث" المتخصص بتقييم الثروات، وقد بلغت حصيلة تبرعات الراجحي 5.7 مليار دولار.ولهذا الارتياح أسباب كثيرة: ـ هذا الأمر يعكس صورة من صور الترجمة العملية لخيريّة هذه الأمة، على مستوى أثريائها، خصوصا أن قرآننا الكريم يحوي 120 آية كريمة تحثّ على الإنفاق والتصدق. وأولى الناس بالإنفاق هم الأكثر مالاً، لأنهم الأقدر على ذلككانت هذه القائمة خالية من المسلمين من قبل، وأذكر أنني كتبت من قبل متمنيا أن أرى فيها أسماء من أثرياء العرب والمسلمين، وقد حصل ولله الحمد، وإن كان اسما واحدا حتى الآن، لكن مع ذلك فإنّها فاتحة خير، ولعلّ أول الغيث قطرة كما يقال.ـ لعل نموذج الراجحي يكون قدوة لغيره من الأثرياء العرب، لكي يتأسوا به، ومحرِّضا لأقرانه من أجل أن يخطوا مثل هذه الخطوات الشجاعة، فثمة من ينتظر أن يفتح الباب وقليلا من الدفع، والتحرك في هذا المجال يندرج في باب "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"، وما أجملها من منافسة. ـ يقدّم لنا الراجحي أيضا أنموذجا للفهم الحقيقي للسعادة والتعامل الرشيد مع الثروة، فلديه قناعة بأن السعادة الحقيقية هي أن تسهم بثروتك في إدخال السعادة والرضا على قلوب المحتاجين، ولعل هذا ما دفعه وهو على قيد الحياة لترك نصف ثروته لأولاده وورثته، بينما خصص النصف الآخر للأعمال الخيرية، وهو لا يشعر كما يقول بالندم لتضاؤل ثروته وخروجه من نادي المليارديرات العالمي. قرارات شجاعة ولكنها تنمّ في ذات الوقت عن فهم حقيقي وحكمة في التعامل مع الغنى وتحقيق السعادة بمعناها الحقيقي والواسع. كثيرون يجلب لهم المال التعاسة، ويحولهم الحرص عليه إلى أنانيين، وعبيد للثروة، بدلا من أن تكون هي عبدة لهم، ويجلب لهم الكراهية بسبب بخلهم وتكالبهم عليه هذا المتاع.العمر سيزول والثروة ستترك للغير عند الموت شئنا أم أبينا.. أليس الأولى أن يَسعد بها الورثة من الأبناء والأرحام في حياتهم، بالإنفاق عليهم وتوزيع جزء منها عليهم من جهة، فيما يدخر شطر منها للإنفاق من جهة أخرى ..والمُنفَق هو ما سيبقى، وأجره سعادة الآخرة، فكيف لا يتأسى الناس بالمنفقين لكي يحظوا بسعادة الدارين.ـ تغيير الصورة النمطية عن أثرياء العرب واهتماماتهم، وطريقتهم في صرفهم لثرواتهم، هم وذووهم، وطريقة الإسراف والتبذير التي ترافق ذلك، وعدم احتفالهم بتخصيص جزء معتبر من أموالهم في خدمة مجتمعاتهم المحلية والعربية والإسلامية، والتعاطف مع القضايا الإنسانية لأمتهم بالشكل الذي يتناسب مع حجم ما يملكون. ـ لأنّ بلادنا العربية والإسلامية والعالم الثالث هي أحوج من غيرها إلى المشاريع الإنسانية في المجالين الإغاثي والتنموي، بحكم الأزمات التي تمرّ بها قديما وحديثا .وكما تحرص المؤسسات الخيرية على ابتكار الوسائل المختلفة لاجتذاب الدعم لمشاريعها والترويج لها بما في ذلك استثمار نجومية أشخاص معينين ضمن المجتمع كالإعلاميين والرياضيين، فإنني أكرر دعوتي لها من أجل التركيز على الحملات التي تغرس القيم الإنسانية لدى الناشئة، وتنشر ثقافة العمل التطوعي لدى الشباب واستثمار الطاقات الجمعية لذلك، لأهميته المادية والمعنوية، وأضيف إلى ذلك وضع إستراتيجية وبرامج خاصة لاجتذاب الشرائح النوعية كأصحاب الأموال والثروات، والتخصصات والخبرات المتميزة والقدرات الإبداعية، لأن النجاح في هذا الأمر من شأنه أن يحدث فرقا مهما لصالح العمل الإنساني.