15 سبتمبر 2025

تسجيل

الاتصال بعد الانقسام 3

21 سبتمبر 2023

ليس هناك تعريفٌ متفق عليه للقانون الإداري، ولذلك تعددت تعاريفه، فذهب البعض إلى أنه هو مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم النشاط الذي تقوم به الهيئات والمؤسسات العامة في سبيل تحقيق المصلحة والنفع العام مستخدمة في سبيل ذلك أساليب السلطة العامة. ومن ما يتعين ذكره، أن دور الدولة في السابق كان محصوراً في توفير حرية النشاط الاقتصادي، تأثرًا بالنظام السائد حين ذاك وهو النظام الرأسمالي، فالفرد حر في ممارسته الاقتصادية دون أن تتدخل الدولة في تنظيم ذلك. لإيضاح الأمر، كان الإنسان في الماضي له الحرية في ممارسة التجارة وإبرام التعاقد والمنافس مع غيره،كما كان له تأسيس الشركات مع غيره، ونقل البضائع برًا وبحرًا دون فرض رقابة عليه، ولم تكن تتدخل الدولة حين ذاك لتقوم بفرض قواعد آمرة أو قيودا تحد من نشاطه، كتحديد الأسعار، أو فرض الرقابة على الصادرات والواردات، وإنشاء سجل للتجار، وإلزام التجار بالدفاتر التجارية، إلا إنه بعد ذلك بدأت تضعف الحرية التجارية، وبدأ النظام الرأسمالي بالانحسار، حيث ظهر النظام الاشتراكي وساد النظام الاقتصادي الموجه، فتدخلت الدولة تحقيقًا للمصلحة العامة في النشاط الاقتصادي. إذ أن الدولة تضع يدها لتنظيم النشاط الاقتصادي من أجل تحقيق العدالة والمساواة، مما أدى إلى القيام بتنظيم هذا النشاط، فحُددت الأسعار بوضع حد أقصى للأسعار والخدمات ثم قامت بمراقبة النقد، وتنظيم تراخيص الاستيراد والتصدير، وهذا كله لمواجهة الأزمات الاقتصادية والتضخم المالي، وظهرت أنظمة إشراك العمال في أرباح وإدارة المشاريع، ونظمت الشركات التجارية، وقننت العقود التجارية؛ وذلك يعود لضعف الفكرة التعاقدية، فأصحبت العقود قانونية أكثر من كونها عقودا تعاقدية يحكمها مبدأ سلطان الإرادة. ولم يتوقف تدخل الدولة عند هذا الحد؛ حيث لم يقتصر النشاط الاقتصادي على الأفراد، بل اتجهت هي بنفسها إلى مزاولة التجارة. فظهر التأميم والذي مفاده تحول الأملاك الخاصة من المشاريع والشركات والنشاطات إلى للدولة، فأُممت المشاريع التجارية والصناعية، كقطاع المصارف مثل بنك الريان، والاتصالات، والكهرباء، والطاقة الطبيعية مثل شركة وقود، وشركات التأمين، فانتقلت تلك المشاريع من نطاق الملكية الخاصة إلى دائرة الملكية العامة. ولا مناص من القول إن التأميم قد أثر بشكل مباشر في القانون التجاري، لذا لم يعد النشاط التجاري محصوراً على الأفراد الذين يتولون بأنفسهم تحقيق المصلحة العامة، وعلى العكس من ذلك امتدت سلطة الدولة لتمارس النشاط التجاري، ووقع على عاتقها العبء الأكبر من تحقيق المصلحة العامة. خلاصة القول إذاً، هو انتقال الدولة من حماية النشاط الاقتصادي، إلى التدخل في تنظيمه وممارسته، ولاينال ذلك من مكانة القانون التجاري، باعتباره أحد فروع القانون الخاص، وفي ذات الوقت لا يمدد من مكانة القانون العام فيتسع نطاقه، فالصحيح هو العكس فمكانة ونطاق القانون التجاري قد تمددت واتسعت، فالممارسات التجارية التي تقوم بها الدولة تخضع للقانون التجاري نظرًا لطبيعة الممارسة، لكن لا يمنع من إضفاء الطابع العام في حدود ما يأتي في النص، خاصة في موضوع الرقابة المفروضة من طرف الدولة. وجواباً على علاقة القانون التجاري بالقانون الإداري، فإن الحرية التجارية لا يمكن أن تكون مطلقة ولا مقيدة، فهي مثلها مثل جميع الحريات الفردية، وعليه فلا بد من وجود قيود إدارية تفرض من قبل المشرع، أو الحكومة تحقيقًا للمصلحة العامة، ولذلك نجد العديد من القوانين الإدارية تقوم بتحقيق الأخيرة، مثل قانون غرفة تجارة وصناعة قطر، قانون السجل التجاري، قانون حماية المستهلك، وقانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.