20 سبتمبر 2025

تسجيل

الهند.. ضحية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان

21 سبتمبر 2021

تتناسب هزائم الهند وخساراتها بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان، طردياً مع انتصارات خصمها اللدود باكستان ومكاسبه، فالهند التي استقوْت بالغزو الأمريكي على أفغانستان عام 2001، بسطت نفوذها وتأثيرها هناك، وحلّت محلّ النفوذ الباكستاني، مما عمّق حضورها في مجالات عدة. عادة ما يتناسب حضور البلدين في أفغانستان عكسياً، فالأخيرة لا تتسع لكليهما، ولذا فإن حاكماً أقلوياً فيها، يعني نفوذاً هندياً ومعه نفوذٌ إيراني، وإنَّ حاكماً بشتونياً في كابول يعني بالمجمل نفوذاً باكستانياً، ولعل هذا ما عناه رئيس وزراء باكستان (عمران خان) حين قال: "لقد كسرت طالبان قيود العبودية عن أفغانستان". قبل أربع سنوات بدأت واشنطن بتكثيف جهودها لمحاصرة الصين، وتطويقها، لقناعتها أنها عدوها المقبل، وساحة حربها هي بحر الصين الجنوبي، فسارعت إلى تشكيل مجموعة (كواد) الرباعية، التي تضم كلاً من أمريكا وأستراليا واليابان والهند، ومن الطبيعي أن تكون الأخيرة في الواجهة، نظراً لحدودها الطويلة معها، وتاريخها الصدامي، تُغذيه خلافات حدودية، وتحالفٌ يجمعها مع عدوها الآخر وهو باكستان، مما يُفاقم من التحديات الهندية. ومع خسارة نيودلهي الإستراتيجية جرّاء الانسحاب الأمريكي كلَّ ما استثمرته في أفغانستان لعقدين، فقد خسرت معه ما برمجت عليه عقيدتها العسكرية، في تطويق خصمها الباكستاني من الجبهتين الهندية - الكشميرية، والأفغانية، وهو حصار فرض على باكستان تنازلات مؤلمة بتراجع موقفها تجاه كشمير (رقبة باكستان)، وفقاً لتوصيف مؤسس باكستان محمد علي جناح، أو بتقليص خياراتها فيها وانعكاسات ذلك على المنطقة، بعد أن كانت بوابة حصرية لكل من يريد العلاقة مع أفغانستان، لاسيما أن حليفها الطالباني في السلطة اليوم، مما يجعلها تتفرغ لجبهتها الوحيدة مع الهند، وإن كانت الهجمات المسلحة القادمة من أفغانستان تبقى تهديداً معتبراً. الأسوأ من ذلك كله هندياً، ملء باكستان فراغها الذي خلفته هناك، ضاعفه الخوف من إمكانية عودة أجواء عام 1990، يوم أدى انسحاب السوفييت من أفغانستان إلى اندلاع شرارة الانتفاضة الكشميرية، ولعبت حينها الأحزاب الكشميرية المسلحة المتدربة في أفغانستان الدور الأكبر فيه، فدفعت الهند ثمن مواجهة تلك الانتفاضة المسلحة، التي لا تزال ذيولها وتفاعلاتها حتى اليوم، وعودة نشاط تلك الجماعات، بدعم باكستاني وأفغاني خفي أو علني، سيعيد الخطر ربما بأقوى من السابق، ولعل هذا ما عناه جنرال هندي متقاعد، حين وصف الواقع الأفغاني ما بعد الانسحاب الأمريكي بأنه: "نكد إستراتيجي هندي". اليوم ترى نيودلهي أنها خُذلت أمريكياً ثانية، يوم استبعدتها من حلف ثلاثي جديد، لمواجهة الصين، فقصرته على نفسها وبريطانيا وأستراليا، وتركت البلدين الآسيويين (الهند واليابان)، اللذَيْن كانا بالأمس في حلف رباعي للغرض ذاته، وحدهما في مواجهة استحقاق عداءٍ صيني، وفوق هذا، أتى الفراغ الذي خلّفه رحيل القوات الأمريكية والغربية من أفغانستان، لتملأه كتلٌ منطقوية مجاورة ومعادية لها، مما يزيد من فاتورتها أمنياً واقتصادياً، اختصره رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بقوله: "أمريكا تركت المنطقة وسخة، وتريد من الآخرين تنظيفها اليوم". ومع هذا لا تزال ثمة أوراقٌ هندية، وإن كانت تبدو ضعيفة بحسب المخاوف الباكستانية، ومن أبرزها، ما يتردد عن دعمها لمقاتلي حركة طالبان باكستان، المقيمين في أفغانستان، وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إذ تعتقد إسلام آباد أن نيودلهي تقوم بدعمهما واستخدامهما ضد إسلام آباد، وقد كثفت حركة طالبان باكستان عملياتها الأخيرة ضد الجيش الباكستاني، في مناطق القبائل الباكستانية المحاذية لأفغانستان، فقتلت في هجوم واحد سبعةً من أفراد الجيش، مما دفع مدير مخابراتها العسكرية الجنرال فائز حميد للتوجه إلى كابول، للبحث في وجود عناصر مقاتلي طالبان باكستان على الأراضي الأفغانية، ولكن على ما يبدو لم يلقَ رداً إيجابياً، كون الحكومة الأفغانية لا تزال مشغولة بأوضاعها الداخلية، وعاجزة عن اتخاذ قرار بهذا الحجم في الأيام الراهنة. إعلامي وكاتب سوري