13 سبتمبر 2025
تسجيلقبل أيام وأثناء زيارتي لمدينة كارديف الويلزية، دار بيني وبين احد الأصدقاء حوار هادئ حول مقولة "لحوم العلماء مسمومة" والتي كان يعتقد صديقي انها حديث شريف عن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وبما أن صديقي في الأصل ليس عربيا وإنما هو من الاخوان الذين اعتنقوا الإسلام في ويلز فله العذر في ذلك فحتى بعض العرب المسلمين يعتقدون ذلك، وحتى لا اطيل في المقدمة سأدخل في صلب الحوار الذي دار بيننا. قال لي صديقي وهو يتحدث الإنجليزية فقط "ان هناك عالم دين من احدى الدول الإسلامية العربية سيزور المركز الإسلامي الليلة" فسألت صديقي "من هذا العالم؟" فقال لي اسمه ومن أي دولة هو؟ فقلت له "لم أسمع عن هذا العالم ولكن قد يكون واعظا دينيا، وعلى كل حال ففي وقتنا هذا من الأفضل وقبل الحضور الى أي درس ديني علينا ان نتأكد من صحة عقيدة ومنهج الواعظ او الداعية حتى لا نقع ضحية لمن يدعون العلم الشرعي وفي الحقيقة هم ينفذون اجندات مدروسة ومخططا لها مسبقا"، ويبدو ان تعليقي هذا لم يرق لصديقي فرد علي مسرعا "احذر من هذا القول فلحوم العلماء مسمومة"، تفاجأت برد صديقي فأنا لم اقل ما يعيب أحدا او يسيء الى ضيف مركزهم الإسلامي وإنما هي وجهة نظري الخاصة فقلت لصديقي "مهلا يا اخي العزيز، هل هذا القول من كتاب الله او من السنة النبوية المشرفة، فأنا شخصيا لم اسمع او اقرأ هذه المقولة في احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فإن كانت كذلك فأتني بدليلك؟" ساد الصمت بيننا قليلا فأحسست ان صديقي في حيرة من قولي هذا، فأحببت ان أوضح له وجهة نظري بشكل افضل فقلت له "يا أخي هذه انما مقولة تداولها الناس ولا أشك انها اخذت من قول احد العلماء الاجلاء وما قصدته ألا نستخدمها وكأنها كلام منزل على سيد البشر، فأنا من حقي انتقاد فكر او نهج لشخص أرى انه يخالف الكتاب والسنة وذلك بعد التحري والسؤال، وهو من حقه الرد وايضاح ما خفي علي، وانني والله رجاع للحق، ثم هل جميع من تكلم باسم الدين يكون عالما أجمعت الامة على علمه، فالايام أظهرت لنا أناسا كنا نحسبهم من اهل الحق واتضح لنا بعد ذلك انهم مجرد أدوات تتاجر بالدين والعياذ بالله". وحتى أكون منصفا في حق نفسي وحق صديقي اقدم لك عزيزي القارئ ولصديقي ولنفسي كلام العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمة الله تعالى عندما سئل عن قولهم "لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في منتقصهم معلومة" قال الشيخ الالباني "لا شك أن هذه الكلمة من حيث إنها تخص العلماء بالذكر لنهي عامة الناس عن الكلام فيهم بما يكرهون وهي الغيبة، وليس معنى ذلك أن عامة المسلمين ليسوا كذلك. لكن هذه الكلمة التي سارت كما يقولون". مسير الركبان "فيها شيء من المبالغة بحيث يجعل الجمهور السامعين لها والمستعملين لها يتوهمون أنها جملة مأثورة إما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإما عن السلف الصالح ولكنا علمنا ليس شيئا من ذلك يتعلق بهذه الجملة، غاية ما فيها أن فيها شيئا من الحكمة من حيث المبادرة في التحذير عن استغابة العلماء لأنهم خاصة هذه الأمة والمفروض فيهم أنهم ورثة الأنبياء كما قال عليه الصلاة والسلام لكن لا يخفى على الجميع أن اتصاف العالم بأن يكون الوريث المحمدي هذا أمر "دونه خرط القتاد" كما يقال إلا لمن يسر الله له عز وجل. كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول كقاعدة عامة (الغيبة ذكرك أخاك بما يكره) ثم قال الشيخ "ولا شك أنه لا يدخل في هذا المجال النقد بالحق وبالتجرد عن الهوى وعن النيل من المنتقد من الناقد وإنما يقصد بذلك مجرد النصح للأمة" ثم قال "أما دقة المسألة فلأن الأصل في ذكر المسلم لأخيه المسلم بما يكره أنه حرام لأنه من باب أكل لحوم الناس المشار إليه في القرآن الكريم" انتهى كلام الشيخ. ويقول الشيخ صالح الفوزان في الرد على سؤال انتقاد بعض دعاة السوء والاحتجاج بمقولة لحوم العلماء مسمومة على من ينتقدهم، يقول الشيخ "بيان الحق واجب وبيان الخطأ واجب وليس هذا من أكل لحوم العلماء بل هذا من بيان الحق والنصيحة وليس من أكل لحوم العلماء، أنت لا تتكلم في اشخاصهم انت تتكلم في اخطائهم تبين الحق فيهم".