12 سبتمبر 2025

تسجيل

كما تدين تدان

21 أغسطس 2022

قيل لابن المقفع: من أدَّبك كل هذا الأدب؟ قال: نفسي، فقيل له: أيؤدب الإنسان نفسه بغير مؤدب؟ فأجاب: كيف لا؟، كنت إذا رأيت في غيري حسناً أتيته، وإن رأيت قبيحاً أبيته، وبهذا وحده أدَّبت نفسي. فالأدب لا يُشترى بل يولد مع المرء ويكبر معه بحسن تأديبه وتربيته وتلك نعمة ينعم الله بها على من رزقهم تلك الصفة الفضيلة، في بعض الأحيان نرى في أماكن كثيرة منها في وسائل التواصل الاجتماعي ومساحات تويتر من يسيء لنفسه وللآخرين بقوله أو فعله وحتى بطرحه وتغريداته، نرى البعض يسخر من الآخرين إما بالتنمر عليهم أو محاولة التقليل من شأنهم، يترصد أخطاءهم وينشر زلاتهم ويقسو عليهم قولاً وفعلاً محاولاً أذيتهم وهذا مما قد يقسو الإنسان على نفسه أولا قبل غيره لأنه عائد إليه طال الزمان أو قصر، أصبحت اليوم وسائل التواصل الاجتماعي أشبه بمرآة لأصحابها، ستعرف فيها قولهم وفعلهم وتفكيرهم وماذا يحبون وماذا يفضلون وكيف يفكرون، وسترى مشاركاتهم تعكس لك الكثير من صفاتهم وتوضحها فأصبح من كان بالأمس كتاباً مغلقاً وغامضا تراه اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي كتابا مفتوحا يعكس خُلقه وأدبه في نقاشاته وردوده وفكره وثقافته فتعرفهم بها، فإن كانت صفات حميدة كان مكسباً لكل من حوله ولكل من عرفه صدفة كان بعيدا منه أو قريبا منه، أما من يكون قاسياً على من حوله مسيئا إليهم ويؤذيهم هذا عليه أن يراجع نفسه ويحاول تغيير نفسه للأفضل فلا قيمة لأذية الناس سوى أنها دين عليك ستذوق من مرّها يوما ما، عندما تؤذي من حولك اليوم ستتحمل وزر تلك الأذية غدا شئت أم أبيت وكما تدين تدان، قال علي ابن طالب رضي الله عنه لابنه عبدالله: لا تعجل في عيب أحد بذنوبه، فلعله مغفور له، ولا تأمن على نفسك معصية، فلعلك معذب عليه، فليكفف من علم منكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه، وليكن الشكر شاغلاً له على معافاته مما ابتُلي به غيره. عندما ترى عيب غيرك لا تذكره ولا تنشره بل استر عليه وانصحه بينك وبينه وادع الله أن يهديه أو يهديها سواء السبيل دون محاولة التحدث من ورائهم بسوء أو نشر ذنوبهم وأخطائهم في حساباتك في وسائل التواصل أو الحديث بسوءاتهم في مجالسك فهذا من عديم الأخلاق والمروءة، في ذات يوم أتى رجل عمرو بن عبيدالله فقال له: إن فلانا لم يزل يذكرك ويقول: عمرو الضال، فقال له عمرو: يا هذا، والله ما رعيت حق مجالسة الرجل حين نقلت لي حديثه، ولا رعيت حقي حين بَلَّغت عن أخي ما أكرهه، أعلمه أن الله يحكم بيننا. وذُكر أن نبينا محمد ﷺ قال:"لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر". فليكن المرء ساتراً لأخطاء الآخرين ويغض الطرف عن زلاتهم وأن تقف عنده لا أن ينشرها لغيره فهذا من حسن أخلاق المرء وكمال مروءته، وقيل: والمرء بالأخلاق يسمو ذكْره وبها.. يُفضل في الورى ويوقرُ.. أوغلْ بدنياكَ لا تنسَ الضميرَ ففي.. طياتِه السرُ عندَ اللّهِ ينحصرُ.. والقهمْ منكَ ببشرٍ ثم صنْ.. عنهمُ عرضَكَ عن كلِّ قَذرْ..