14 سبتمبر 2025

تسجيل

الذكرى التاسعة لمجزرة الغوطة

21 أغسطس 2022

في الساعات الأولى من يوم 21 آب/أغسطس 2013، استيقظ أهالي الغوطة الشرقية على أصوات تساقط الصواريخ التي أطلقت من مواقع عسكرية قريبة تابعة لنظام الأسد. كانت هذه الصواريخ المحملة بغاز السارين القاتل. إذ سقط ما لا يقل عن 12 صاروخاً على أحياء زاملكا وعين ترما، لتنشر غازاتها السامّة في الأجواء وبين المنازل. وبعد ساعات قليلة، أصيب حي معضمية الشام في الغوطة الغربية أيضا بصواريخ كيمائية. كان السكّان، الذين حوصروا لوقت طويل في هذه المناطق، قد خَبِروا أصوات القصف بالطيران والمدفعية. إلا أن ما عاشوه في ذلك اليوم كان مختلفا للغاية. حيث أنه وخلال لحظات تحولت الغوطة إلى جحيم على الأرض. بدأ الناس يعانون من الاختناق حتى الموت. وامتلأت المستشفيات الميدانية على الفور بآلاف المدنيين المصابين الذين يعانون من أعراض مثل التشنجات والقيء وفقدان الوعي وصعوبة التنفس. كان العديد من الضحايا من النساء والأطفال، تجول في خواطرهم المذعورة سؤال بسيط: ما الخطأ الذي اقترفناه لنستحق هذا؟ نحيي اليوم ذكرى أكثر من 1400 شهيد ارتقوا في الهجوم الكيماوي على الغوطة. وبينما نترحم عليهم، نواصل السعي من أجل محاسبة مرتكبي هذه المذبحة البشعة وتحقيق العدالة للضحايا وأسرهم والناجين. لقد تعرض الشعب السوري لخذلان المجتمع الدولي غير مرة، لكن أكثرها مرارة هو يوم الغوطة. فعلى الرغم من تجاوزه "الخطوط الحمراء" بكل وقاحة، تمت مكافأة نظام الأسد بجعله شريكاً في الحل الدبلوماسي، مما زاد من عزمه على مواصلة قتل الشعب السوري بكل الوسائل الممكنة. وعلى الرغم من الإشارة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 بشأن تدمير الأسلحة الكيميائية للنظام السوري، إلا أن الأسد واصل تطوير برنامج الأسلحة الكيميائية وخنق الأبرياء من السوريين بالغاز في ظل إفلات تام من العقاب. لم تُستخدم الأسلحة الكيميائية مرة أو مرتين؛ لقد تم استخدامها أكثر من 300 مرة في سوريا منذ 2011. استهدفت الهجمات كفرزيتا تلمنس والتمانعة في عام 2014. سرمين وقميناس وبنش وإدلب في عام 2015، حلب في عام 2016، اللطامنة وخان شيخون في عام 2017، وسراقب ودوما في عام 2018. استشهد أكثر من 1500 شخص من المدنيين جراء هذه الهجمات البربرية، فيما أصيب أكثر من 11 ألفا بدرجات متفاوته. وغني عن القول أن مئات الآلاف من شعبنا الذين عاشوا التجربة مازالوا يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة وأنواع مختلفة من الآثار النفسية. لا يمكن تبرير الاستخدام المكثف للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين إلا من خلال فهم العقلية الوحشية لنظام الأسد. لقد خرج السوريون بشجاعة وسلمية إلى الشوارع للمطالبة بالحرية والإصلاح السياسي وللمطالبة بحكومة تحترم حقوق الإنسان. لقد قاموا ببسالة بتحرير العديد من البلدات والمدن من وحشية النظام. وبدل الاستجابة لمطالبهم، كان الرد عقابا جماعيا من خلال الحصار، واستخدام البراميل المتفجرة، والقصف العشوائي بأسلحة محرمة دولياً، وأخيرا الهجمات بالكيماوي. كانت كلمة (حريّة) هي أخطر جريمة في نظر النظام، لذلك تم شنّ الحرب على المناطق المحررة بلا هوادة، في محاولة لجعلها عبرة للآخرين، لكي لا يجرؤ أحد على أن مجرد التفكير في رفع الصوت في وجه الظلم والاستبداد. ولتطبيق هذه الاستراتيجية، يتوجب وجود دعم دولي من جهة ولامبالاة دولية من جهة أخرى. وللأسف كانت الظروف مواتية لذلك. فروسيا، بصفتها العضو الدائم في مجلس الأمن، لم تؤمن للمجرمين الحماية من العقاب الدولي فحسب، بل انخرطت بشكل فاعل في حملات التضليل والتعتيم وتحريف الحقائق المتعلقة بمسؤولية النظام عن هذه الهجمات. ومن ناحية أخرى، فإن مختلف آليات الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومبادراتهما المشتركة لم تحقق نتائج ملموسة بعد من حيث المساءلة. حيث أنه وبعد أشهر من الاتفاق المبدئي على إزالة الأسلحة الكيميائية السورية، برزت الشكوك حول صحة إعلان النظام عن مخزوناته. ووجدت فرق تقييم الإعلانات DAT التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ما لا يقل عن 20 تناقضاً وثغرةً فيما يتعلق بإعلانات النظام. وبعد 24 جولة من المشاورات بين النظام ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لم تحل أي من هذه المسائل. ومما يزيد الطين بلة أن النظام يعرقل عمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية منذ أكثر من عام حتى الآن إما عبر منع إصدار التأشيرات اللازمة لفريق تقييم الإعلانات DAT، وإما عبر التدخل في اختيار المفتشين تحت ذرائع واهية. ولذا، وحتى اليوم، ليس لدى المجتمع الدولي معرفة كاملة بقدرة سوريا على إنتاج واستخدام الأسلحة الكيماوية. لقد خَلصت كل من "آلية التحقيق المشتركة" بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، و"فريق تحديد الهوية والتحقيق" التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية - كلٌ على حدة - وبشكل قاطع إلى مسؤولية النظام السوري فيما لا يقل عن ثماني حالات من استخدام الأسلحة الكيميائية، واتهموا النظام مباشرة باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين. وبعد مرور ما يقرب من تسع سنوات على اتخاذ القرار 2118 بالإجماع، فإن عدم إحراز أي تقدم في محاسبة الجناة هو أمر غير مقبول. على المجتمع الدولي مواصلة تعزيز المساءلة بنشاط، بما في ذلك دعم المنظمات، التي يقود السوريون الكثير منها، في جمع الأدلة وتوثيق الفظائع. وفي ظل هذا، نتساءل حول المبررات التي يمكن سوقها لتبرير عمليات التطبيع مع نظام الأسد. إذا كيف يمكن التطبيع مع نظام صاحب سجل من الجرائم ضد الإنسانية، نظام قام باختراق كل المواثيق والعهود الدولية. وأي فائدة ترجى من العلاقة مع هكذا نظام. ولأجل هذا، نشيد بكل تقدير واحترام بالدول ذات المواقف الأخلاقية الثابتة تجاه قضايا الشعوب واحترام حقوق الإنسان، وفي مقدمتها دولة قطر. لقد وقفت قطر ومنذ اليوم الأول موقفاً نبيلاً ومشرفاً إلى جانب الشعب السوري، وتقف اليوم بكل حزم في وجه التطبيع. إن هذه المواقف المبنية على المبادئ تثبت للعالم أن الضمائر الحيّة لا ترضى بالظلم ولا تقبل بالضيم. لقد أكدت على ذلك كلمة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، خلال قمة جدة، بقوله " لا يجوز قبول الأمر الواقع الذي يعني استمرار الظلم الفظيع الذي يتعرض له الشعب السوري "، كما حثّت على "العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي وفقاً لمقررات جنيف 1 بما يحقق تطلعات الشعب السوري". إننا نثمّن عالياً هذا الموقف النبيل، ولا يمكن أن ينسى الشعب السوري وقوف أخوته في قطر إلى جنبه في أصعب الأوقات. كما نأمل من كل الدول الصديقة للشعب السوري استمرار التمسك بالشرعية الدولية والسعي لتحقيق العدالة والمساءلة وذلك من أجل إحلال الأمن والسلام حول العالم. القائم بالأعمال بالسفارة السورية