12 سبتمبر 2025
تسجيلالوطن بحاجة إلى جهود أبنائه المبدعين لتعزيز الإبداع والمساهمة في بناء الأمة تكريم الفنان عبد العزيز جاسم لفتة إنسانية بارعة تستحق الإشادة والتقدير شاهدتُ مقطعاً مُتلفزاً للفنان الكبير الشاعر بدر بورسلي، وهو يُدخل الشاعر عبداللطيف البنايّ إلى المسرح وهو على الكرسي المُدولب، في يوم تكريمه، في لقطة إنسانية رائعة، تدُّلُّ، بلا شك، على مدى العطاء عند الفنان الشاعر بدر بورسلي، وإنسانيته، بعد أن أمتَعنا بالكلمات الجميلة، مع الثنائي الدكتور عبدالرب إدريس والفنان القدير عبدالكريم عبدالقادر. لقطة تُذكّرنا بمدى التلاحم والتكاتف بين الفنانين، خصوصاً وأنهما قُطبا الشِعر الغنائي في دولة الكويت، وكلاهما أخذ على عاتقه رفعَ اسم الكويت وفنونها إلى فضاءات العالم. أكتب المقال هذا صدفة، وأنا أسمع الفنان عبدالكريم عبدالقادر يشدو بإحدى أغنيات الشاعر بدر بورسلي. بوناصر، قامة جميلة، تابعتها منذ عام 1977 عندما تمَّ تلحين أغنية (غريب) في منزل الدكتور عبدالرب إدريس بالكويت. إن الأغنية الكويتية، كانت وما زالت، نبراساً لحكايا الليالى، والدروب، والشجن الجميل، وبلا شك، إن تكريم الفنان عبداللطيف البناي من قِبل دولة الكويت، بادرة جميلة، وهذا هو شأن الكويت، التي انبثقت منها الفنونُ الجميلة، جنباً إلى جنب، من حركات التحرُّر، ومساندة الشعوب المقهورة، حتى تبوأت الكويت منصباً دولياً رائعاً، في قضايا مساندة الإنسانية، حيث أطلقت عليها الأمم المتحدة مركزَ الإنسانية، وتم تكريم سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد وأُطلق عليه اسمُ أمير الإنسانية، ولقد حدث هذا لأول مرة في منطقة الخليج. المُناسبة تفرضُ علينا أن نتكاتف، كأكاديميين، وفنانين، مع بعضنا البعض، حتى لو كنّا في منافسة، لأن الشاعر حولهُ عشرات، ولربما مئات الشعراء، والمطرب أيضاً، والفنان التشكيلي، بحيث يكون التنافس شريفاً وكريماً وسامياً، لأننا كلنا (نُكمّل) بعضنا، وحتماً نحتاج لبعضنا. فالإنسان سوف يرحل، مهما طال عمرُه، ولكن يبقى عطاؤه إلى الأبد، ولا بد لنا – كمؤلفين، وروائيين وفنانين – أن نتكاتف، ونسمو فوق كلّ الاعتبارات الدنيوية، من أجل تقديم الأفضل والجديد والشائق للجمهور، ومهما حاول البعض « إجهاض» إبداعاتِنا، ستبقى تلك الإبداعات، لأن الوطن يحتاج لأي جهد أو أي اتجاه في عالم الأدب والفن، وأيٌّ عملٍ إبداعي يرفد المسيرة التي ينشدها الوطن، ولنترُك أهواءَنا الشخصية، كي نتحدّ مع الآخر الجميل والمُبدع. إن صورة الشاعر بدر بورسلي وهو يدفع بالكرسي الذي يجلس عليه الفنان الشاعر عبداللطيف البناي، أوحت لي بالكثير من المشاعر والأطياف التي لا تستحملها هذه المساحة الصغيرة، وهي صورة تكاتفِ أبناء الوطن، في وقت استشرت فينا (الأنا) المُتضخمة التي تسودُ مساحاتٍ كبيرة من العالم العربي. فشكراً للشاعر بدر بورسلي على تلك الالتفاتة الجميلة، ولقد ذكّرني ذلك بموقف سمو أمير دولة الكويت عندما تفقّد العلَم القطري خلال القمة ! فلقد كان موقفاً أصيلاً من رجلٍ خبرَ السياسة، رُغم سِنّه، ولقد قدّر الشعبُ القطري تلك الالتفاتة الإنسانية من سموه. والشيء بالشيء يُذكر، فلقد أحسنَ الزملاء المشرفون على مسرح الجامعات بوضع اسم الفنان القدير رحمه الله (عبدالعزيز جاسم) على دورة المسابقة، كما وضعوا صورة مُكبرَّة له، تقديراً لفنّه، ولدوره الواضح في المسيرة المسرحية في قطر. ولقد أبدع الفنان نبيل شعيل، وهو يزور الفنان عبدالله رويشد الذي سقط على المسرح، وتسبَّب ذلك في جُرحٍ في كتفه، في تطمينه لجمهور الفنان رويشد، وهو أيضاً مثال على التكاتُف، والمحبَّة حتى بين المتنافسين. نقول أخيراً، إن الحبَّ والوفاء من الشيم العربية الأصيلة، وتكاتُف الفنانين مع بعضهم البعض، يدعم المسيرة الفنية، ويجعل للفنان دوراً مهمَّاً في حياة المجتمع. والفنان – دوماً - يكون أمثولة لبقية أفراد المجتمع، وعليه أن يُحسن أدواره، ويختار الكلمة الطيبة والتصرُّف السليم نحن بحاجة إلى طرح مثل تلك المبادرات التي تُصفّي القلوب، وتدعم التلاحم بين أبناء الموهبة الواحدة، خصوصاً في ظل الصراعات، والتحزبات، وأحاديث (شاي الضحى) التي لا تُسمن ولا تغني من جوع. وإذا كان المبدعون الكبار يتحلَّون بهذه الصفات، فالأجدى أن يحذو حذوهم المبدعون الصغار، والذين يتلمّسون الطريق نحو أهدافهم، كلُّ في تخصصه، لأنّ تبادل الإحساس بالإنسانية، يُغذّي شعورَ المحبّة، ويفتح القلوب، ويمسح من الأذهان ما قد يعْلق بها من أدران الحياة. والأمر يتطلب أن نبدأ بالأطفال، من المنزل، نعلِّمهم كيفية تقدير الآخر، صحيح الأطفال قد يتشاجرون على لعبة، ولكن علينا أن نزرع فيهم الإيثار، وحُبَّ الآخر، والمساواة. كثيرون منّا تأخذهم الدنيا، ولا يلتفتون إلى مثل تلك الالتفاتات الإنسانية، فينعزلون عن محيطهم، حتى وإن كانوا فنانين أو أدباء، ويندمون عندما يرحل زميلُ لهم، ويلومون أنفسَهم بالتقصير في حق ذاك الزميل. ودوماً كنا نقول: الكبير يظلُّ كبيراً، حتى لو طواه النسيان، أو غدرت به الدروب، أو تراكمت في حياته العثرات.