14 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); سوف تؤدي إجراءات الهيكلة الاقتصادية الراهنة التي تتخذها دول مجلس التعاون الخليجي، من حيث النتيجة إلى تقليص دور القطاع العام مقابل المراهنة على تعظيم دور القطاع الخاص. ولو رجعنا للوراء لوجدنا أن دور القطاع العام قد تضخم وتعاظم حتى بصورة أكبر مما هو عليه واقع هذا القطاع في بعض الدول العربية التي اتبعت نهج رأسمالية الدولة. فبحكم تحكم الدول الخليجية في موارد النفط وبالتالي دفة النفقات العامة، تربعت الأجهزة الحكومية على عرش الاقتصاد الوطني ليس في مجال الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والإسكان والكهرباء وغيرها، بل حتى في مجال العديد من الأنشطة الاقتصادية كالبنوك وشركات الأغذية والتأمين والفنادق وحتى العقارات. لقد أفضى ذلك إلى تضخم كبير في وظيفة ودور القطاع العام في دول المجلس بحيث بات اليوم يستنزف نسبة تتراوح ما بين 60 إلى 80% من الموازنات المالية لهذه الدول وتذهب على شكل مصاريف متكررة للرواتب والصيانة والتوسع في الخدمات الأساسية وغيرها. لذلك، وفي ضوء هذا الواقع، وفي ظل الإجراءات التصحيحية الراهنة، يجب أن لا يتم تقليص دور القطاع العام بصورة عشوائية وكمحصلة فقط لهذه الإجراءات بل يجب أن يكون موجها وخاضعا لعملية التحديث التي تحول الدولة من مرحلة المنفذ للتنمية إلى مرحلة المنظم والموجه للتنمية. لقد لجأت بعض الدول إلى تنفيذ برامج للتحديث بتكلفة عالية جدا ولفترة طويلة كذلك ولم تأت بالنتائج المرجوة. وكانت محدودة للغاية لأن بعض هذه البرامج ركزت على الجوانب الإجرائية في حين ركز البعض الآخر على جوانب جزئية. والتحديث المقصود به هنا هو إعادة صياغة الأدوار والمهام التي يؤديها القطاع العام بما يواكب احتياجات التنمية. فعلاوة على دوره الرئيسي في ترشيد النفقات، يبرز بصورة أعظم دوره في تعظيم العائد من النفقات الحكومية وزيادة الإنتاجية والتحول نحو جباية الضرائب والرسوم بصورة كفؤة وإعادة ضخها في الاقتصاد بصورة أكثر كفاءة وعدلا. ففيما يخص تعظيم العائد من الإنفاق الحكومي، فهو يرتبط بدوره بإخضاع كافة برامج الإنفاق لدراسات جدوى اجتماعية – اقتصادية يتحدد على ضوئها البديل الأفضل للإنفاق (بطبيعة الحال هذا الكلام لا ينطبق على كافة أشكال النفقات ولكن قسما كبيرا منها). أما زيادة الإنتاجية والتي تطرقنا لها في مقالات سابقة فهي ترتبط بإعادة صياغة ثقافة العمل بالتزامن مع التأهيل والتدريب وتطوير تقنيات وأساليب العمل. والجانب الثالث المرتبط بالجباية الضريبية، فهو واقع حاليا تحت باب الرسوم بشتى صورها ولكن سوف يتعاظم مع بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة عام 2018، وهي مهمة قد تبدو سهلة من ناحية الجباية بعد وضع الأنظمة والخطوات التنفيذية لها، ولكنها سوف تكون معقدة من ناحية إعادة ضخ إيراداتها في الاقتصاد بصورة تشعر المواطن بانعكاساتها الإيجابية على مستوى معيشته. لكن في كل الأحوال، إن نجاح كافة هذه الخطوات مرتبطة بتوفير الكفاءات الوطنية التي تأتي من خلال التنمية البشرية، وهي من السياسات التي قطعت فيها دول المنطقة شوطا كبيرا وبرزت نتائجها بشكل خاص في السنوات العشر الماضية. ويمتد ذلك إلى تطوير المناهج الدراسية في كافة مراحل التعليم من الابتدائي إلى الجامعي، وتعزيز البرامج والمعاهد التدريبية، وتحديث موادها حسب الإمكان بما يعني احتياجات سوق العمل. ويرتبط التحديث إلى حد كبير كذلك بما توصلت إليه تكنولوجيا المعلومات من وسائل حديثة تتميز بتوفير السرعة والإتقان والجودة في أداء الأعمال. إننا الآن بحاجة إلى مراجعة وتقييم الوضع الإداري الحالي. أولا للتعرف على ما يحتاج إلى إصلاحه وتطويره ومن ثم تحديثه على شكل خطوات متكاملة أو متلاحقة حسب طبيعة العمل في كل جهاز ومستوى الأولويات الملحة. ويندرج تحت بات التحديث أيضا إعادة النظر في مفهوم الدولة الأبوية الذي ساد لردح طويل من الزمن وركن المواطنين إليه باعتبار أن الدولة مطلوب منها تقديم كل شيء له وبأسعار رخيصة ومدعومة أو في أحيان كثيرة دون مقابل. وهنا أيضا يجب التحذير في المقابل في المبالغة في تسعير الخدمات التي تقدمها الحكومة، وأن يأخذ منحى التسعير منحا مرنا يرتبط بالإنتاجية والمسئولية الفردية وحجم المساهمة والمشاركة المجتمعية.. وهذا يجر بدوره للحديث عن إخضاع الأداء الحكومي للمسائلة والتقييم والمحاسبة واعتماد مبدأ المكافأة والثواب والعقاب في ضوء نظام تقييم فعال وعادل للموظفين في مختلف المستويات. إن خطوات التحديث لدور القطاع العام المرتبطة بالهيكلة الاقتصادية الراهنة ممكن أن تتم بشكل متدرج وموضوعي إلا أنها بنفس الوقت يجب أن تكون عملية مستمرة لا تتوقف لأن المتغيرات والتحديات كثيرة أمام برامج التنمية في الآتي من الأيام.