11 سبتمبر 2025

تسجيل

تأرجح البندول السياسي

21 يوليو 2024

أدى تزايد الدعم للأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في بعض الدول الأوروبية إلى إثارة القلق من أن الاعتدال النسبي في سياسات القارة الذي ساد لفترة طويلة، منذ الحرب العالمية الثانية وظهور الأنظمة الديكتاتورية في منتصف القرن العشرين، ربما يكون قد اقترب من نهايته. وهناك سببان وراء المبالغة في تقدير هذه المخاوف، على الأقل في الوقت الحالي، ذلك أن هذه الحركات تبدو أقل عدوانيةً مما كانت عليه في عصر الديكتاتوريات، ولا تسير في اتجاه واحد. يبدو خطاب العديد من القادة اليمينيين الشعبويين في أوروبا قويًا، فإن مقارنته مع خطابات موسوليني وفرانكو وهتلر في الثلاثينيات لا يُعدُ أمرًا دقيقًا؛ حيث قام هؤلاء القادة بإنشاء ديكتاتوريات قاسية وقمعية بشكل استثنائي. وقد عمل زعماء جناح اليمين الأوروبي المعاصر، حتى الآن على الأقل، في إطار الدستور وسيادة القانون. ورغم أنهم لا يشجعون على التسامح مع الأقليات أو المنشقين. وتحكم جورجيا ميلوني، رئيسة حزب أخوة إيطاليا، الذي يُعدُ حركة فاشية في إطار المنظمات السابقة له، بصفتها زعيمة تقليدية من يمين الوسط منذ أن أصبحت رئيسة للوزراء في عام 2023. وقام جوردان بارديلا، رئيس حزب مماثل في فرنسا، وهو حزب التجمع الوطني، بتقليص بعض السياسات عندما بدا أنه في طريقه إلى أن يصبح رئيسًا للوزراء في الانتخابات التي جرت خلال الفترة من 30 يونيو إلى 7 يوليو. وحسبما اتضح في 7 يوليو، حال تكتيك أحزاب الوسط واليسار المتمثل في إسقاط مرشحيها بشكل انتقائي، وتصويت مؤيديهم لهم بشكل تكتيكي، دون فوز حزب الجبهة الوطنية في الانتخابات. وكانت النتيجة ظهور برلمان معلق يضم ممثلي أحزاب اليسار واليمين والوسط بأعداد متساوية تقريبًا من المقاعد. وكان هناك نمط مماثل في الانتخابات البريطانية التي جرت في الرابع من يوليو الماضي، حيث دعم التصويت التكتيكي حزب العمال والديمقراطيين الليبراليين، وهو ما حد من تمثيل حزب المحافظين وحزب الإصلاح اليميني ليفوز حزب العمال بأغلبية ساحقة. ومع ذلك، لا تزال تجربة التمييز ضد الأقليات من ذوي التوجهات اليمينية في أوروبا قاسية؛ حيث لا تشجع السياسات العلمانية في فرنسا على ارتداء الزي الإسلامي، على سبيل المثال، ويناهض ممثلو حزب الجبهة الوطنية المسلمين بشكل علني. وقد هاجر عدد كبير من المسلمين الفرنسيين المتعلمين إلى المملكة المتحدة أو الشرق الأوسط. والصورة الجيوسياسية هي أن البلدان الديمقراطية المزدهرة نسبيًا كانت تجتذب المهاجرين، سواء الأشخاص الفارين من الحرب أو الاضطهاد، أو المهاجرين لأسباب اقتصادية. ولكن رغم حب اليمين المتطرف لاستغلال المخاوف المتعلقة بالهجرة، لا تُعدُ هذه القضية الشغل الشاغل لأغلب الناخبين. وقد أعربت بعض الأحزاب اليمينية عن معارضتها لدعم مقاومة أوكرانيا للقوات الروسية، ولكن هذا لا يشكل رأيًا شائعًا في أوروبا الغربية، حيث يبدو التعاطف مع أوكرانيا قويًا. ورغم تحقيق اليمين لمكاسب في فرنسا وألمانيا، إلا أنه تراجع في أماكن أخرى. وفي المملكة المتحدة، وصل اليمين إلى ذروة نجاحه مع التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، وانتخاب المحافظين في عام 2019، بعد التخلص من الوزراء المعتدلين المؤيدين للاتحاد الأوروبي، مع الوعد بـ «إنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي». وفي عام 2024، فاز حزب العمال ببرنامج وسطي وحصلت أحزاب يسار الوسط الثلاثة على 53 % من الأصوات. وفي برلمان الاتحاد الأوروبي، منحت أحزاب يمين الوسط ويسار الوسط واليسار أصواتًا كافيةً للمرشحة المعتدلة أورسولا فون دير لاين ساهمت في فوزها برئاسة المفوضية الأوروبية. وبطبيعة الحال، قد يعود المرشح الشعبوي اليميني المهيمن في السياسة الغربية دونالد ترامب، إلى رئاسة الولايات المتحدة بعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نهاية العام الحالي. وإذا فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، من المرجح أن يسعى إلى الانتقام من أعدائه السياسيين في الداخل، وأن يتبنى سياسات الحماية في السياسة التجارية، ويسعى إلى التوصل لاتفاق سلام وسط بين أوكرانيا وروسيا مع خفض مساهمات الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي. وفيما هو أبعد من ذلك، من الصعب توقع شكل رئاسته. وإذا افترضنا أن دستور الولايات المتحدة ومؤسساته ظل على حاله، فإن فترة ولايته ستكون مجرد أربع سنوات أخرى مضطربة، وفي نهايتها قد يتأرجح البندول السياسي مرة أخرى نحو الديمقراطيين.