19 سبتمبر 2025

تسجيل

السلطة بين الوزير والوكيل

21 يوليو 2022

عندما تمارس الإدارة بوصفها مجرد سلطة لا تعود هناك إدارة بالمفهوم العلمي. هناك خلط بين السُلطة وبين ممارسة الإدارة في الأذهان، لا يمكن للإدارة أن تتأصل بشكل فاعل طالما هناك سيطرة لمفهوم السلطة مجرد من كونها جزءاً من الإدارة وليس استخداماً للقوة من خارجها، هناك مثل واضح يمكن الإشارة إليه من خلال تتبعي للإدارة العامة في الدولة، وهو الصراع القائم بين منصبي الوزير بما هو سُلطة والوكيل بما هو إدارة، إلى درجة أنه لم يعد هناك وجود لمنصب الوكيل في وزاراتنا يمكن الإشارة إليه أو التحدث عنه ككينونة منفصلة. يأتي الوزير وفي ذهنه ممارسة السلطة وليس رسم السياسة، ويأتي الوكيل أيضاً وفي ذهنه ممارسة السلطة وليس ممارسة الإدارة، وحيث إنهما معينان بنفس الأداة القانونية يصبح الصراع بينهما صراع نفوذ وليس مجال تعاون، وتتكون بالتالي ووفقاً لذلك هوامش السلطة من المنتفعين والمصفقين، وتصبح الإدارة أو الوزارة مسرحاً لتجليات المسؤول وسلطته، فيصبح المجال مجال تنافس غالباً ما يستبعد الوكيل ويُهمش، وفي حالات قليلة يصبح أكثر فاعلية وقوة بدعم خارجي، أما النظام الإداري فهو منتهك وحبر على ورق، ويتحول الموظفون إلى شلل انتفاع من هذا التمزق الواضح، ثم نتساءل لماذا لا تتطور الإدارة لدينا؟، لسبب بسيط لأنها تمارس كسلطة أو قوة أو حيازة على جميع مستوياتها. إن فك الارتباط بين ممارسة السلطة سياسياً وبين ممارستها إدارياً هو بيت القصيد ويشترك المجتمع بثقافته في تحديد ذلك من خلال سن القوانين والتشريعات اللازمة في هذا الحقل. السلطة السياسة تحولت إلى إدارة اليوم، الإدارات هي من يقود العالم، بخسارة الإدارة العليا المتمثلة في منصب الوكيل، نجد فراغاً كبيراً في الوزارات، وكذلك خروجاً للوزير عن مهمته الأساسية في رسم السياسة ومتابعة التنفيذ وانغماساً في العملية الإدارية لا يليق بمنصبه، الإدارة العليا المتمثلة في الوكيل ومساعديه هي التي يجب أن تمثل الثبات في الوزارة لكي يستمر العمل مهما تغيرت الوزارات لدينا ليست هناك إدارة عليا تتصف بنوع من الثبات، فالوزير هو الوزارة والوزارة هي بشت الوزير. الطريق للتطور هو في تحويل السياسة إلى إدارة ونزع طابع القوة الاجتماعي المصدر من جوانبها الذاتية. كم نخسر من الفنيين حينما لا نمتلك إدارة عليا ثابتة، كم نحرق من الوزراء حينما نغرقهم في التفاصيل، كم نفقد من التراكم والخبرة حينما ننشئ الوزارات للوزراء وليس لطبيعة العمل وحاجة المجتمع؟ كم دمجنا؟ كم فصلنا؟ يعجب المرء حينما يزور أحد المسؤولين الأجانب حيث يرى صور سابقيه في مكتبه، تاريخ طويل يفتخر به، في حين أن المسؤول لدينا أول عمل وربما الأخير له هو إزالة كل ما يتعلق بمن سبقه على الكرسي، في السابق كان منصب الوكيل براقاً، اليوم من يُعين وكيلا يُنظر إليه بعين الشفقة لأنه أمام أمرين أحلاهما مُر، إما الانضواء أو الصدام، خاصة إذا كان الجو محموماً بمركب النقص وفقدان الثقة.