27 أكتوبر 2025

تسجيل

اليقظة الزائفة

21 يوليو 2018

هل مررت يوما بهذه التجربة حين كنت تغطُّ في نوم عميق ترى حلما ثم ترى نفسك استيقظت لتحكي هذا الحلم، لتكتشف بعد ذلك أن يقظتك كانت حلماً آخر داخل الحلم؟ هذا ما يدعونه باليقظة الزائفة، ورغم بساطة هذه التجربة التي نمر بها جميعاً، إلا أنها تتضمن رسالة عميقة تحمل تساؤلات مصيرية، فلنفترض أننا استصحبنا هذه الحالة إلى مداها البعيد لنتساءل مع المتأملين: لماذا لا تكون حياتنا كلها حلما طويلا، ولماذا لا يكون ما ندعوه "باليقظة الحقيقية" هي الأخرى ضرب من اليقظة الزائفة؟ السؤال غريب لكن السعي في طريق الجواب عنه هو وظيفة المؤمن وواجب كل عاقل. إن ما ندعوه بالحقائق ليس إلا مجرد مألوفات الحس وإملاءات الشعور، ومع ذلك، فلن يجدر بنا أن نكون كالعدميين الذين نفوا كل شيء بالمطلق، كما لا يصح أن نكون مع الميتين الذين جمدوا على الحس فاتخذوه هادياً من دون الوحي والضمير، بل سنقول: إن في الخارج حقيقة، لكنها ليست صلبة، بل هي هشة وهشاشتها مستمدة من هشاشة المصدر الذي يفرضها، فالعين توهمنا بجمال القمر واللغة تخدعنا استناداً لشهادة العين، مع أن الواقع يؤكد أن القمر أجرب وهو أبشع الأجرام السماوية منظراً في المجموعة الشمسية، فمن الخطأ إذاً أن نمنح الحواس شيكاً على بياض، كما أنه من الخطأ تعطيلها تماماً، والعدل هو الثقة المشروطة بالوعي، فغياب الوعي يعني أن المرء نائم أو ميت، وإن ظن أنه مع المستيقظين، لقد جاء في الأثر: "الناس نيام فإذا ماتو انتبهوا"، فحياتنا بلا وعي هي حقيقة هشة ترادف الوهم، أو وهم ينتحل صفة الحقيقة، وفي هذا الحلم الكبير أليست ألقابنا وحيثياتنا الاجتماعية ومناصبنا وأحسابنا وأنسابنا إلا مجرد علائق تخدعنا عن إدراك الحقائق؟ ولله در القائل: من ينظر إلى الخارج يحلم، ومن ينظر إلى الداخل يستفيق، ألا يعتبر عصفأ بالأذهان قول الرسول الكريم: إن أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل؟ ألا يصعقنا صوت السماء ليوقظنا من سباتنا العميق "أو مَنْ كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها"؟ لقد استغرقتنا لعبة الحياة حتى ظنناها حقيقة "وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب" فلنمضِ قُدماً مع أحد المستبصرين حين قال: تخيل نفسك في عالم ليس فيه مرايا، كنت ستحلم بوجهك، كنت ستتخيله نوعاً من الانعكاس الخارجي لما هو بداخلك، بعد ذلك افترض أنهم وضعوا أمامك مرآة لأول مرة بعدما تجاوزت سن الأربعين وقد شق الزمان أخاديده على وجهك، تخيل جزعك كنت سترى وجهك غريباً تماماً وربما تنكره وكنت ستفهم بصورة جلية ما ترفض الإقرار به: وجهك ليس أنت. تلك دعوة لليقظة من سبات حلم الألقاب وعناوين الوجاهة ووهم التميز ولهفة الغرائز لتبحث عن نفسك عن ذهبك تحت طينك عن الشيء الذي ضاع منك ...عن الشخص الذي كنتَه.