15 سبتمبر 2025

تسجيل

مصر: الثورة في خطر!

21 يوليو 2011

لم تكن الجماهير المصرية لتحتشد من جديد في ميدان التحرير في القاهرة وتستمر في تظاهراتها في العاصمة ومدن مصرية أخرى. لولا هذا الشعور المتولد لديها: بأن الثورة المصرية في خطر حقيقي. فحجم المنجزات منذ تسلم المجلس العسكري لزمام الأمور،لا يتواءم وحجم التضحيات التي قدمها الشعب المصري ولا يلبي الآمال التي عقدتها هذه الجماهير على التغيير. المجلس العسكري المصري وفي أسابيعه الأخيرة. مستاء تماماً من تجدد الحركة الشعبية وتظاهراتها وهو على استعداد لمواجهة كل ما يعتبره خرقاً للقانون. لأنه يرى فيها: قفزاً على السلطة، وهو يرمي بثقله اللامحدود وراء رئيس الوزراء المعين عصام شرف، وهذا الأخير وعلى ما يبدو يعمل على نارٍ هادئة، فلا القرارات التي اتخذها(بالتوافق مع المجلس العسكري بالطبع). راديكالية ثورية، ولا التصدي لرجالات وأزلام النظام عملية قائمة، فهؤلاء لا يزالون متنفذين ويعملون من أجل ثورة مضادة تُبقي القديم على قِدَمه وتُعيد مصر إلى العجلة الأميركية-الإسرائيلية. ربما تكون إنجازات الثورة المصرية تتلخص: في الاستفتاء على الدستور في 19 مارس. وفي تحديد مواعيد (قابلة للتمديد) للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهذه كلها كان الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك سيوافق عليها في أية مساومة. قد تعتبر من الإنجازات أيضاً: تلك المحاكمات لبعض رموز النظام السابق على ما اقترفوه من فساد ونهب للأموال العامة. وما سببوه من ضحايا من خلال الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين. لكن الأحكام القضائية على هذه التهم من وجهة نظر الشعب المصري. مائعة ولا تتوازى مع حجم الجرائم التي ارتكبت بحق المصريين.أما ما يجري الحديث عنه: من تهم موجهة للرئيس ولنجليه ولزوجته، فتفيد التقارير بأنها ليس أكثر من رتوش يراد منها الإيحاء بجدية في توجيه التهم للرئيس وعائلته، وتفيد أيضاً نفس الأنباء والتقارير بأن حسني مبارك يعيش في القصر الرئاسي في شرم الشيخ معززاً مكرماً، وأن مجرد الحديث عن نقله أو زوجته إلى السجن يتبعها رأساً حديث عن تردي الأحوال الصحية للمعني ومنها ما تردد عن إصابته بغيبوبة، الأمر الذي يكون مبرراً لإبقائه على نفس الوضع. كثيرون من المراقبين يعتبرون: أن ترشيح نبيل العربي إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، هو محاولة لإبعاده عن الخارجية المصرية باعتباره وطنياً راديكالياً نال رضا قوى التغيير والثورة المصرية. نقول هذا لأن خلفه محمد العرابي (الذي استقال حديثا هو وأربعة وزراء آخرين) ومن خلال الأسابيع القليلة في منصبه تبين: أنه من مدرسة وزير الخارجية الأسبق أبو الغيط، المعروف عنه: دفاعه الشديد عن علاقات مصر مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة ومع الدول الغربية عموماً، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان: مرحلة الرئيس مبارك. من زاوية ثانية: صحيح أنه لم يُسجّل على الجيش المصري انحيازه لنظام مبارك، وأنه لم يمارس القمع تجاه مظاهرات ثورة 25 يناير، غير أن وجهة نظر أخرى تستحق الاهتمام وهي تقول: بأن المجلس العسكري المصري برئيسه وأعضائه. هم حصيلة مرحلة مبارك، فهو من اختارهم في مناصبهم وبالتالي هم يُحسبون على النظام السابق لا على الثورة، الأمر الذي يشي بأن سقف المجلس العسكري المصري هو إجراء بعض الإصلاحات على مسيرة النظام السابق، وليس إجراءات القطع مع النظام المخلوع، وشتان ما بين المسألتين. كثيرون تصوروا بعد انتصار الثورة المصرية بأن المجلس العسكري الحالي هو شبيه بمجلس قيادة الثورة بعد انتصارها في يوم 23 يوليو 1952، حتى إن وجهات نظرهم ساوت بين الثورتين! بموضوعية نقول: لا يمكن مقاربة الثورتين. فالأولى قام بها ضباط أحرار، نُظموا بشكل سري ولم يكونوا من صنيعة عهد الملك فاروق، ثم بعد الثورة: كان القطع بالتمام والكمال مع العهد السابق شكلاً ومضموناً، شكلاً من خلال تحطيم آلة الدولة في العهد السابق، ومضموناً من حيث السياسة والشكل الاقتصادي والاجتماعي والمسلك الثوري الجديد جملة وتفصيلاً المختلف تماماً والمعاكس تماماً لشكل ومضامين هذه المجالات في العهد السابق. بالتالي لا يمكن للمجلس العسكري الحالي أن يكون بذات مضامين مجلس قيادة الثورة بعد 23 يوليو 1952. ولأنه لا يمكنه ذلك فالمجلس العسكري الحالي، هو أولاً وأخيراً جاء من رحم نظام مبارك، فمن الطبيعي أن يرى أسس هذا النظام فيما يتوجب أن يجري التمسك به مع وجود بعض المظاهر الإصلاحية. صحيح أن تصريحات المجلس العسكري تؤكد"أنه سيسلم السلطة إلى سلطة منتخبة"، ولكن أيضاً فإن أقصى طموحات المجلس هو تسليم السلطة إلى شَكِلْ مَحسَّنْ من نظام مبارك. من هنا فإن التناقض القائم حالياً بين المجلس وبين الجماهير الشعبية المصرية هو تناقض منطقي، وكان بالضرورة سيصل إلى شكل الصدام السلمي الحالي، والذي نرجو ألا يتحول إلى شكل صدامي دموي آخر. المرحلة التي تمر بها مصر، مرحلة حرجة ودقيقة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. الآفاق مفتوحة على سيناريوهات عديدة، منها ما هو قاس وشديد الألم، ومنها ما هو شعبي، ديمقراطي ثوري. يبقى القول: إن ثورة مصر في خطر حقيقي.