10 سبتمبر 2025

تسجيل

وفي سبيل الله ما لقيت

21 يونيو 2024

وهم في طريقهم إلى رسول الله مهللين مكبرين بعد أن استضعفهم قومهم وردهم المسلمون فامتنعوا عنهم تبعًا للميثاق الذي كان بين المسلمين والمشركين في صلح الحديبية. أقف لأستدرك معكم موقف ذاك الرجل وهو يركض سيرًا على أقدامه الحفاة شوقًا للرسول وأصحابه وإخوانه المسلمين الذين هاجروا من قبله، شوقًا أكادُ أشبه رائحته بريح الحنين الذي يملأ مكاني هذا الذي أكتب منه أو شوقًا كمرارة الغصة في حلقي. وقد كانت الأنعام من ورائه تسير، وهو يسابقهم بلهفة للقيا رسوله الطيب ذي الوجه المنير، حتى وقع فجرح أصبعه وبات ينزف، فتراه يقابل الأمر قائلا «هل أنت إلا أصبعًا دميت وفي سبيل الله ما لقيت». ورفيقه على البعير من ورائه وكان قد حذره من وعورة الطريق وقساوة الحجارة من تحته، يُقدم نازلًا من بعيره ليعيره إياه فيلحق الركب معهم فيعقبهم، حتى قام من موضعه مستمرًا بالسعي راكضا وقائلًا: «الْحَق بي إن استطعت». إنه الوليد بن الوليد، ما أقول إلا ويلنا! ما سعينا وراء كل الطرق أمام هذا الرجل! إلا ثقلًا وتثاقلًا في كل أمرٍ لقيناه، هذا يتذمر وذاك وقد يئس من الأمر الذي بين يديه، والآخر المسكين لقيهم على ذات الطريقة، حتى تُهنا وتفرق شملنا وتشتت أمرنا جميعًا في مساعي الحياة ونسينا غايتها، ألهانا السعي ونسينا حقًا معناه وغايته، ولو علمناها وبتنا نذكرها دومًا لما لقينا من المساعي كلها تعبًا ولا مللًا أو كللًا، فوالله لهان علينا طول الطريق والسبيل، أي والله لصغر همه وعظم شأنه مهما صعب.