11 سبتمبر 2025
تسجيلنشرتُ في يوم الرابع عشر من يونيو مقالاً بعنوان (نشأة المحكمة الجنائية الدولية)، وتضمن المقال إشارةً لمواقف الدول تجاه نشأة المحكمة ومن ضمنها الولايات المتحدة الامريكية، والتي كان موقفها مُعارضا لنشأة المحكمة، بل إن صح القول فقد جاوز حد المُعارضة الى حد العِداءَ. نعم عزيزي القارئ، فإن أمريكا التي نصبت نفسها حاميةً للحقوق والحريات، ومنارةً للعدل، كانت ترفض إرساء العدل الدولي والمُتمثل بإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، فمنذُ بزوغ فجر المفاوضات حتى إقرار نظام المحكمة الأساسي، كانت تحاول جاهدةً إفشال المشروع، وعارضت منذ 1998 (تاريخ إقرار نظام المحكمة) حتى عام 2000 والذي انضمت فيه الى المعاهدة (معاهدة إنشاء المحكمة)، وكان يُعد انضمامها أشبهُ بالعدم وذلك لكونها اطلقت عِدة تحفظات على النظام الأساسي للمحكمة أهمها الاختصاص، كما أتت عام 2001، وأصدرت قانون حماية افراد القوات المسلحة الامريكية، والذي يحظر التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية متى ما كان المطلوب من قادة القوات المسلحة الامريكية، كما يحق للرئيس الأمريكي طبقاً لهذا القانون استخدام جميع الوسائل اللازمة للإفراج عن أي مسؤول امريكي أو مسؤول حليف لأمريكا، مُحتجز أو مسجون من قِبل المحكمة. وفي ذات العام أوصىَ السيناتور هيلمز بسحب توقيع الولايات المتحدة من مُعاهدة إنشاء المحكمة، واعتمد الكونغرس التوصية، وبالفعل قام الرئيس الأمريكي الأسبق – جورج بوش الابن – في عام 2002 بسحب توقيع الولايات المتحدة الامريكية من المعاهدة، وتحررت منها أمريكا تماماً، قبل حتى أن تدخل المُعاهدة حيز التنفيذ. ولم تكتفِ بذلك بل واصلت الضغط على الدول الموقعة والدول التي تعزم على التوقيع، لإهدار النظام الأساسي للمحكمة. وظهر الوجهُ الحقيقي للولايات المُتحدة الامريكية اخيراً، عندما تقدم المدعى العام للمحكمة الجنائية بطلب إصدار مُذكرات اعتقال بحق قادات الاحتلال، بتهمة ارتكابهم لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فانتفضت أمريكا لذلك وهب مجلس النواب الأمريكي، لإقرار قانون يسمح بفرض عقوباتٍ على المحكمة الجنائية الدولية متى ما حققت أو حاكمت اشخاصاً محميين من واشنطن وحلفائها، كوسيلةٍ للضغط على المدعى العام وقُضاة المحكمة الجنائية الدولية. ولم يعد هُناك وصفٌ يليق بِمُصطنعة الحقوقية – أمريكا – سوى القول بأنها دولةٌ مارقة.