10 سبتمبر 2025
تسجيليُخبرنا التاريخ، أن في بعض الأحيان قد تكون نهاية الطاغوت من صنع يده، ولنا في الملك هنري الثامن مضربَ مثل، حيث تسلم هذا الملك مُلكَ إنجلترا خلفاً لوالده الملك هنري السابع. وظل في سُدة المُلك 38 عاماً، ابتداءً من عام 1509 حتى 1547، طرأت على الدستور الإنجليزي تعديلات كثيرة وجذرية إبان فترة مُلكه، وكان القصدُ منها الإصلاح السياسي على وجه العموم والديني على وجه الخصوص، وأبرز هذه التعديلات فصله للكنيسة عن السُلطة البابوية، وتعيينه لنفسه رئيساً أعلى لكنيسة إنجلترا، وعمل على توحيد القوانين في إنجلترا وويلز. ولا يُنكر لهُ التاريخ، خدمته لبلده وعمله على رفعة شأنها، إلا أنهُ وصل بهِ الحال في نهاية المطاف الى الطُغيان، والانفراد بالسُلطة لدرجة أن المصير الوحيد لمعارضيه هو «الإعدام» بتهمة الخيانة العظمى، وكان وزراؤه يساندونه في ذلك، بل لا يمكن لاحد منهم مخالفته، لأن مصير المخالف منهم كمصير المعارض، فكان بسبب انفراده بالسلطة يملك كافة سُلطات الدولة، وعلى رأسها السلطة التشريعية، التي شرع بها عِدة قوانين تساعده على تصفيه مُعارضيه وتحقيق أمانيه. وبلغ به الامر من حب السلطة وحب الذات، حتى شرع القانون الذي قتله، حيث نص هذا القانون على أن يُدان بتهمة الخيانة العظمى كل من يتنبأ بوفاة الملك أو بقرب وفاته، دون استثناء، فكان الغموض والتوسع في هذا القانون سبباً في وفاته، ففي المرض الأخير لهذا الملك، وعند معاينته وتشخيصه من قِبل الأطباء، لم يجرؤ أحد من الاطباء على القول أنه في خطر وأن هذا المرض يُهدد حياته، حتى يتمكنوا في المقابل من معالجته، وذلك خوفاً من وقوعهم تحت طائلة القانون الذي يُجرم الخوض في مسائل وفاة الملك، وتوفي الملك بما اقترفت قوانينه الاستبدادية، وكما قال الفيلسوف الفرنسي «مونتسكيو» إن الاستبداد فظيع لدرجة أنه ينقلب حتى ضد الذين يمارسونه.