10 سبتمبر 2025
تسجيلكثيراً ما نسمع بـ "مبدأ الفصل بين السُلطات" على ألسنة السياسيين والحقوقيين ونجد صدأه في دساتير دول العالم، فلا يكاد يُعدل دستور أو يُصاغ إلا وهذا المبدأ أول ما تتم مُناقشته والتأكيد عليه، حتى أصبح حجر زاوية لدراسة القانون الدستوري، ويرتبط هذا المبدأ ارتباطاً وثيقاً باسم الفيلسوف الفرنسي شارل لويس دي سيكوندا والمعروف باسم (مونتسكيو). وارتباط المبدأ باسم مونتسكيو ليس لكون المبدأ وليد بنات أفكاره، إذ أن المبدأ في حقيقة الامر من وليد بنات أفكار افلاطون وتعود جذوره كمصطلح ونواة الى ذاك العصر، لكن مونتسكيو هو أول من تناوله بالبحث والدراسة في كتابه الشهير "روح القوانين" بعدما انتقل إلى إنجلترا، واستفاد من نظامها السياسي وتطوره، وانتقل المبدأ إلى الميدان التطبيقي على إثر الثورة الفرنسية، فكان مُستحقاً لارتباط المبدأ باسمه. ويرى مونتسكيو، أن في كل دولة ثلاثة أنواع من السُلطات (تشريعية وتنفيذية وقضائية)، ويجب أن تُفصل السُلطات الثلاث عن بعضها وتوزع بشكل هيئات مُستقله، وذلك لأنه على حد قوله "تنعدم الحريةُ إذا اجتمعت السلطة التشريعية والتنفيذية، في يد شخص واحد أو هيئة واحدة حتى وإن كانت الشعب، إذا يُخشى أن تُسن القوانين بشيءٍ من الجور، فتُنفذ من قِبل ذات من أصدرها بشكل جائر، كما أن الحرية تنعدم إذا لم تُفصل السلطة القضائية عن غيرها من السُلطات، لأن القاضي في حال دمج القضائية بالتشريعية سيكون مُشرعاً وبِلا سقف قد يصل للاستبداد، وفي حال دمج القضائية بالتنفيذية سيكون ظالماً". ويُعلل مونتسكيو فلسفته بقوله "إن الحرية السياسية غير موجودة إلا في الحكومات المعتدلة، لكنها ليست دائماً في الحكومات المعتدلة، فهي توجد فيها عندما لا يُساء استخدام السلطة، وتعلمنا الخبرة الدائمة، أن أيّ شخص يمتلك سلطةً، يميل الى إساءة استخدامها، ويمضي بها الى أن يجد حدوداً". وهو بذلك يذهب الى ابعد من فكرة الفصل المُجرد، ويُشير الى ضرورة كبح السلطةُ بالسلطةَ، وذلك لا يكون بالفصل المُجرد أو أن يُعهد لكل سلطة بمباشرة اختصاصاتها استقلالاً عن السُلطات الأخرى فقط، بل لابد من إعطاء كل سلطة ثُقلاً ووزناً تستطيع أن تقاوم به الأخرى، مع إبقاء التناغم والتعاون فيما بين السُلطات. وبعد أن وزع السُلطات وناغمها -كما رأينا- أشار لضرورة تبادل الرقابة بين السُلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث يرى أن للسلطة التنفيذية الحق في كبح تجاوزات السلطة التشريعية، كي لا تستبد هذه الأخيرة، والعكس صحيح، للسلطة التشريعية حق الرقابة على السلطة التنفيذية، لفحص الطريقة التي نُفذت بها القوانين التي سنتها. وبذلك اظهر مونتسكيو المبدأ الذي زعزع مسلمات الفكر الاستبدادي في ذاك الزمان، وسارت عليه دساتير ودول هذا الزمان.