15 سبتمبر 2025

تسجيل

«ليته لم يسرق ولم يتصدق»

21 يونيو 2023

يقال - والعهدة على الراوي - أن الإمام أبوحنيفة مر برجل يسرق تفاحة من أحد البساتين، تبعه فوجده يتصدق بها! سأله أبو حنيفة: لم سرقتها؟ لقد ظننتك جائعا. فقال الرجل: لا يا هذا (وهو لا يعرف أنه الإمام أبو حنيفة)، أنا أتاجر مع ربي قال أبو حنيفة: وكيف ذلك؟ قال الرجل: سرقتها فكتبت علي سيئة واحدة؟ وتصدقت بها فكتب لي عشر حسنات، بقي لي تسع حسنات كسبتها، فأنا أتاجر مع ربي!. قال له الإمام أبو حنيفة: أنت سرقت فكتبت عليك سيئة، ولما تصدقت بها لم يقبلها الله منك (لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) فبقيت عليك سيئة، وعليك حد السرقة، وبغض النظر عن صحة هذه الرواية إلا أنها ذكرتني بموقف حدث منذ سنين. ففي إحدى زياراتي إلى بلاد عربستان التقيت بصديق قديم كان يعمل معي يومًا ما، كان يشتكي من ظاهرة الفساد في بلده التي تغلغلت في جميع مفاصل الدولة حتى تربعت تلك الدولة على ذيل مؤشر مدركات الفساد (Corruption Perception index)، ذلك المؤشر الشهير والذي تصدره منظمة الشفافية الدولية (Transparency International) ومقرها مدينة برلين في جمهورية المانيا الاتحادية منذ عام 1995م. ويقوم المؤشر بترتيب الدول حول العالم معتمدًا على نتائج استبيانات ودراسات لخبراء ومؤسسات مستقلة عن مدى إدراك الفساد في الموظفين والسياسيين، وتعرف المنظمة الفساد بأنه إساءة استغلال السلطة المؤتمنة من اجل المصلحة الشخصية. المهم أن الرجل دعاني إلى مجلسه على وجبة غداء وكان ممن حضر من الضيوف أحد رجال الدين النشطين في المجال الخيري وكان يسرد القصص العجيبة عن كرم أحد المحسنين في المدينة، ويثني على سرعة استجابته للأعمال الخيرية، وعلى جوده وبذله اللامحدود، وأثناء ذلك كان صاحبي يردد عبارة بصوت لا يكاد يسمع وكأنه معترض على ما يقوله رجل الدين عن ذلك المحسن، كان يقول «ليته لم يسرق ولم يتصدق». وبعد أن خلا المجلس من الضيوف قادني الفضول للسؤال عن المقصود بتلك العبارة «ليته لم يسرق ولم يتصدق»، فقال إن ذلك الرجل المحسن كان مسؤولًا في إحدى مؤسسات الدولة، وكان لا يتورع عن المال العام، وكان يستغل منصبه للكسب غير المشروع، ويبدو أنه بعد أن جمع ثروة عظيمة ففكر في التجارة مع الله على طريقة «سارق التفاح» الذي ورد ذكره آنفًا، ونسي أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، فليته لم يسرق ولم يتصدق.