20 سبتمبر 2025

تسجيل

رؤية على المشهد السياسي السوداني ( 3 )

21 يونيو 2023

هو يوم مشهود، اندلعت فيه الانتفاضة الشعبية في السودان 1985 م في العاصمة الخرطوم وامتدت أيضاً لبعض المدن السودانية ولم تكن تلك الانتفاضة بدعوة أو تخطيط مسبق أو ايعاز من الداخل أو الخارج ولكن سوء الاوضاع الاقتصادية المتردية التي عانى معها الشعب السوداني وما تخلله من غلاء الحياة بشكل عام وصعوبة المعيشة والاهم من ذلك محاولة اثبات المواطن السوداني لهويته وإرادته التي سلبت منه مراراً وتكراراً في وضح النهار وهي ضمن احدى حلقات نضال شعب مما حدا ذلك الضغط في ذلك الوقت في استجابة المؤسسة العسكرية كالعادة لهذه الانتفاضة وبالتالي قيام ثورة شعبية بتحالف من الأحزاب فحدث إضراب شامل شل البلاد والعباد وجاء من كافة أطياف المجتمع،من أطباء ومهندسين وقضاة وعمال السكة الحديد والبنوك بجانب مظاهرات طلاب المدارس والجامعات فتعطلت الحياة ومن هنا خرج معه ميثاق التجمع الوطني وكالعادة دائماً برعاية من قادة الأحزاب وقادة الحركات ومطالبة لرئيس الجمهورية بالتنحي عن السلطة وهذا ما حصل من توقيع حزب الأمة على الميثاق والحزب الاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي السوداني ومجموعة من النقابات المهنية التي ضمت أطباء ومهندسين ومحامين وهيئات نقابية ومجموعة من اساتذة الجامعات وانضم اليهم ايضاً مجموع الاحزاب والنقابات لذلك كان لزاماً ان يصبح التجمع الوطني ذات شقين منه ما يحوي التجمع النقابي وله أمانة خاصة به ومتحدث رسمي ومن هنا خرجت جميع هذه الاحزاب من مخبئها في العمل السياسي السري خلال سنوات طويلة من الكفاح والمعتقلات والسجون إلى الكيان السياسي الشعبي الذي اصبح باسم التجمع الوطني فيما بعد وذلك بعد سنوات من مراجعات الشيوعيين وما يسمى بغزو المرتزقة أو كما يطلق عليها بعض السياسيين حركة يوليو التي قامت باعمال عسكرية مسلحة تم دعم كثير من جبهاتها من قبل الجيش والجبهة الوطنية مع الاتفاق على ابعاد جعفر نميري عن السلطة في ذلك الوقت وايضاً أجهزة جعفر نميري السرية والسياسية حتى تم طمأنة الشعب السوداني والتف الجميع حول قيادته من سياسيين ومهندسين ونقابات واساتذة ورجوع للمغتربين السودانيين في المنفى من سياسيين مبعدين ومسئولين واعضاء في الاحزاب وقد قام بعض من هؤلاء بالخروج للساحة السياسية والحزبية مثل حركة اللجان الثورية السودانية التي كانت تتخذ من ليبيا ملجأ لها وبروز رجال من الحزب الشيوعي واعادة تشكيل حزب البعث الجناح السوداني وبناء الجبهة الاسلامية السودانية من قبل الدكتور حسن الترابي الذي ما بات ان خرج من الاعتقال والسجن وتم اعادة تأسيس اتحاد نساء السودان وحزب اتحاد جبال النوبة ايضاً بعد خروج قادته من السجن. وهكذا تحولت السودان الى معارض للوحات الاحزاب المختلفة لدرجة ان ملاعب كرة القدم تحولت لساحات تعج بالمؤتمرات الحزبية والسياسية بحضور الآلاف من شباب التجمع وكل هذه الاحزاب كانت عبارة عن مجموعات من المغتربين العائدين للسودان بعد هجرتهم الطويلة. عندما نشطت المعارضه في الخارج بعد ان تم تكميم افواهها عبر جملة من الافكار السياسية والتجمعات من الجيل الحديث الذي لم يعايش تجربة الاحزاب السودانية الماضية مثل حزب المؤتمر وحكم نميري واحزاب اخرى عرقية وذات خصوصية وثقافة سودانية قومية مثل جبهة اتحاد جبال النوبة وحزب الزنج والحزب القومي ناهيك عن خروج احزاب اخرى قومية في المضمون مثل الحزب العربي الاشتراكي الناصري وحزب البعث العربي الاشتراكي وهم ايضاً امتداد سابق للحركة السياسية في السودان. نظرة على الأحزاب السودانية القديمة من الملاحظ للباحثين السياسيين وامام هذا الكم الهائل من التزاحمات والتجمعات الحزبية والسياسية في السودان ان هناك احزابا قديمة تعتبر من اقدم الاحزاب السياسية ومنها ما كانت في الاربعينيات ظلت نابضة بالحياة لوقت وسنوات متأخرة مثل حزب الأمة والحزب الديمقراطي والحزب الوطني وايضاً الحزب الشيوعي والاخوان المسلمين باستثناء حزب حسن الترابي الذي رفض الدعوة لكل تلك الاحزاب المتزاحمة حيث كان يدعو الى اقامة جبهة اسلامية. وبهذا افرزت كل تلك الاحزاب عدة جوانب سلبية وانقسامات وبرز حزب الامة بقيادة الصادق المهدي على الساحة السياسية وقد دعا القوات المسلحة بالتدخل ومن ثم انخراط المهدي بالعمل السياسي والشعبي واقامة المؤتمرات الشعبية وتأسيسه ايضاً لمنشور حزب الأمة ثم ما لبث وان ظهرت الفتنة داخل حزب الامة نفسه بواسطة احد اقرباء الصادق المهدي الا وهو عمه حيث اعلن انشاء حزب الأمة والانصار وذلك باعتبار انه كان عضوا سابقا للقيادة المركزية في الاتحاد الاشتراكي وقد تم رفضه كعضو حيث دافع وبرر عم الصادق المهدي عن نفسه بانه كان يكره النظام السابق وان كل ما في الامر انه كان يجامله او بالاحرى ينافقه دون ان يكون هناك اي تعاون معه على الارض. بهذا نضع القارئ امام هذه الشبكة العنكبوتية من الاحزاب والحركات السياسية منها المنقسم والمختلف والمؤتلف ومنها القومي والعرقي والاشتراكي والديمقراطي والاسلامي والاتحادي والوطني وغيرها وبذلك تضع جمهورية السودان نفسها على الخريطة السياسية كأكثر دولة في العالم تعج بالاحزاب والحركات والمتغيرات السياسية والحركات الحزبية والتجمعات والتحالفات والاتحادات منها ما هو تأسيسي ومندمج ومتغيّر.