20 سبتمبر 2025

تسجيل

الطبقة الوسطى للمرة الألف

21 يونيو 2021

أتمنى أن ندرك حقيقة مهمة جداً وهي العلاقة بين نظام التعليم والطبقة الوسطى في أي مجتمع، فاعليته مرتبطة بوجود هذه الطبقة وتطوره مرتبط باتساعها عن غيرها، فيما عدا ذلك تصبح الشهادة التعليمية ترفاً زائداً أو وسيلة للارتزاق لا أكثر، والجميع يدرك أهمية الطبقة الوسطى في المجتمع فهي حاملة القيم ومناط الإنتاج والوسطية فيه، منذ أكثر من عقد مضى بدأت هذه الطبقة في المجتمع بالتلاشي والاندثار فبالتالي انقطعت الصلة بين مخرجات التعليم والانتاجية وسوق العمل، فتسرب المهندس الجيد نحو مجالات أخرى ريعية، وترك المدرس التدريس نحو أعمال لها مردود مادي أعظم، واختفى الطبيب الممتاز باتجاه تجارة أو علاقة اجتماعية تدر عليه أكثر مما يحققه في وظيفته التي أفنى حياته يطلبها. خسر المجتمع كثيراً جراء ذلك، فظهرت طبقة هلامية طفيلية غير إنتاجية لا تمتلك مواصفات الطبقة الوسطى الانتاجية الحقيقية وتصدرت وأصبحت قدوة للنشء الجديد وأصبح القفز السريع هدف هذا النشء والبحث عن وسائل الثراء السريع هو ما يصبو اليه فأصبنا النظام التعليمي في مقتل فأصبح همه الأكبر معادلة الشهادات التي تتقاذف عليه من كل صوب ومكان من جامعات ومعاهد تكسب من خلال هذا التغير المرضي الذي أصاب المجتمع. أتألم حينما أجد مهندساً شاباً يبكي سنين دراسته لأن المجتمع قد سبقه في مجالات لا تحتاج كل التعب الذي أنفقه في دراسته وهو لايزال يستجدي وجوده الاجتماعي وليس العلمي الذي أنفق حياته في السعي إليه، أتألم حينما أجد مدرساً قطرياً رائعاً يشكي حاله ويتمنى لو لم يعمل في التدريس وانتهج سبيلاً اجتماعياً آخر غير الدراسة والتدريس يوصله إلى ما حققه طالب فاشل كان تلميذه في الفصل من خلال إتقانه لفنون الريع على اختلافها، أتألم أكثر حينما أجد صحفياً أو كاتباً قطرياً، على قلتهم يُبعد أو يترك عمله اختيارياً لعدم حصوله على التقدير المناسب أو النظرة الدونية له من قبل المجتمع، غياب الطبقة الوسطى يخلق وجوداً زائفاً حيث يترك المجال العام فارغاً. لعل جائحة كورونا دليل واضح على أهمية هذه الطبقة في جميع دول العالم اليوم من أطباء وممرضين وفني مختبر وغيرهم من طواقم الصحة والتأهيل، نحن اليوم في أشد الحاجة لإبقائهم في أماكنهم وزيادة عددهم وإشعارهم بالفخر وبتقدير المجتمع، تعظيم دور الطبقة الوسطى يمنعها من التسرب الذي نعاني منه، مجال عام نشط تملؤه بجدارة الطبقة الوسطى، هو ما نحتاجه ونحن على أعتاب انتخابات تشريعية تاريخية، في اعتقادي لو أن هذه الانتخابات جاءت في مرحلة ارتباط التعليم بالإنتاحية في السابق وظهور طبقة وسطى من التكنوقراط والفنيين في السبعينيات والثمانينيات لحصدنا نتائج رائعة، ليس هذا إحباطاً ولكن دعوة لإعادة النظر في وضع الطبقة الوسطى، فهي روشتة المجتمع إلى المستقبل وليس فقاعات الريع المتكاثرة.