12 سبتمبر 2025
تسجيلعندما تحاصر دول عربية دولة شقيقة لها مثل قطر مهما كانت الأسباب، فهذا لا يدخل إطلاقا في باب السياسة أو فرض العقوبة، بل هو ينافي المبدأ الإنساني ومعاهدات ومواثيق حقوق الإنسان التي تضبط عمل الدول من خلال الأمم المتحدة، ولهذا كان من الواضح أن الغضب قد أعمى بصر وبصائر السياسيين، فالضحية الأولى والأخيرة هي المواطن العربي في قطر، أكان مواطنا أم مقيما، وحرمانهم من قوافل الغذاء والدواء والمياه. لا يمكن أن يدخل تحت بند العقوبات الاقتصادية أو السياسية حتى، بل هو واحد من أكثر الإجراءات إجحافا بحق دولة لا يمكن للعالم نزع جلدها وتغيير وجهها أو قطع لسانها العربي الإسلامي.إن الخلافات بين الأنظمة العربية عطلت التنمية البشرية منذ ولادة الدولة القُطرية والتاريخ الذي يخبرنا عن الاتحادات الدولية الكبرى في المجالات الاقتصادية والسياسية والدفاعية، يخبرنا للأسف عن الصراعات العربية المتخلفة، ودور الأنظمة المتسلطة في تدمير أهم عامل من عوامل الاتحاد وهو الاحتكام إلى اللغة والدين والعرق، ولهذا بنيت الكثير من الأنظمة عروشها على جثث المواطنين وقطع رقاب المعارضين وافتتاح المزيد من السجون، وهذه العقلية القديمة المهترئة لم تعد مفيدة في عالمنا الذي تجاوز الحدود الجغرافية، وأصبح عالما محكوما بالتكنولوجيا الفائقة الذكاء، وأصبحت الشركات العملاقة في قطاع المعلوماتية والبرامج الذكية أهم من جميع دولنا العربية، وهي تصنع عالما أفضل وأكثر نظافة من الدماء المسفوحة والعقول المضطربة.لهذا يبرز السؤال الذي لم يعد أحد يريد معرفة جوابه: ما الذي تريده الأنظمة العربية الحاكمة، أكانت في الخليج أو بلاد الشام أو مصر والمغاربة؟ فإذا التقدم الإخباري التلفزيوني، مثلا، يتم اعتباره خطرا مدمرا أكثر من حرب آل بوش على العراق خلال عشرين عاما مضت، وإذا الصمود والبطولة والتضحيات التي قدمتها حركة حماس ومن ورائها الملايين من الشعب الفلسطيني ومناصريهم، تم اعتباره إرهابا وإجراما، واعتبرت حركة المقاومة الإسلامية، ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي المحتقر من ثلاثة أرباع سكان الكرة الأرضية، منظمة إرهابية، فماذا كانوا يسمون علاقاتهم معها منذ سنوات طويلة؟ ولماذا تغير المنطق التاريخي إلى هذا المنطوق الأعوج؟إن الدول العربية للأسف تحاصر نفسها بنفسها، وليست قطر الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات اقتصادية ومالية ضد سوريا منذ الثمانينيات القرن الماضي، لإعلانها التحالف مع إيران والعداء لإسرائيل، وبعدها ليبيا التي طالها الحصار والقصف الأمريكي، ثم السودان الذي لا يزال يعاني، كما يعاني قطاع غزة المحاصر من مصر وإسرائيل معا، أما العراق فهو المثال الصارخ للعقوبات الظالمة طيلة ثلاث عشرة سنة، فأي دولة عربية سيأتيها الدور في الحصار والمقاطعة في مرحلة ما ستأتي بغتة؟لم يعد هناك شيء يمكن أن نأسف عليه في ظل هذه الحقبة السياسية المتردية في عالمنا العربي، وبعد مائة عام على سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية، التي لم يقبل العرب أن يبنوا خلافتهم الخاصة ودولتهم العربية الكبرى، بل أصروا على أن يبنوا "خلافاتهم الخاصة"، ومن ليس لديه أي ضغائن أو خلاف مع أحد، تم تشكيل غرفة عمليات تسمى الأزمة في دويلات صغيرة، لخلق الأزمات والخلافات والنزاعات التي لا دخل للشعوب فيها، بل إن بعض القيادات لا تستطيع الاستمرار في مناصبها إلا ببقاء الخلافات والمعارك السياسية في بلادنا، فهل هم منتهون؟!