04 نوفمبر 2025

تسجيل

زينة الدهـر (1-2)

21 يونيو 2015

ما من عظيم إلا رأيتَ في مسلكه كبوة أو في شمائله جفوة، ولما أراد الله سبحانه أن يمنن على العالم برجل يمسح آلامه، ويخفف أحزانه، ويرثى لخطاياه، ويستميت في هدايته، يناصر الضعيف ويقاتل دون حقه، ويخضد شوكة الظالم حتى يرده إنساناً سوياً، سليم الفطرة، لا يظلم ولا يطغى فأرسل محمداً صلى الله عليه وسلم، وسكب في قلبه من العلم والحلم والرحمة، وفي خلقه من الإيناس والبر وفي طبعه من الرفق واللين.في يده السخاوة والندى مما جعله أزكى عباد الله في كون الله الفسيح وأرحمهم عاطفة وأحناهم صدراً، وقد لازمته هذه الفضائل في أحلك الساعات وأصعبها.إن العصمة الإلهية حصنته فما يخبو له سنى أو يلحق خطوه عَثار.لقد طلع صبح محمد صلى الله عليه وسلم على الكون فأنار به وأوضح ما كان مبهماً أو غامضاً في أرجائه ، أنا أؤمن بأن النبي العربي محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وسلامه أشرف من مشى على الثرى، وأن أمجاد البشرية كلها التقت في شخصه، وأن تراث النبوات من بدء الخلق إلى الآن موجود في كتابه وسنته. وأن تعاليمه نسيج محكم من الوحي الأعلى تزدان الأجيال به وترشد.صحيح أن عباقرة الدنيا دون قدمه، بيد أن بشريته السامية تأهيل مجرد لحمل أمانات الرسالة الخاتمة، وتربية الأجيال التي تبقى عليها أبداً.لقد حاول المشركون في غزوة أحد اغتياله وألجأوه إلى حفرة لينكب فيها، ونظر إلى زهرة أصحابه.فوجدهم مضرجين بالدماء على الثرى ونظر إليه بقية أصحابه فإذا خده قد شق ورباعية أسنانه قد سقطت والدم يسيل على وجهه الشريف، في هذه الأزمة قيل له: يارسول الله ؛ أدع على المشركين، فغلبته رقته وجعلت نفسه العالية تستميح لأعدائه العذر فكان في دعائه يقول « اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» بعد أن كانوا يقولون فيه (هذا ساحر كذاب) (بل هو شاعر) فقال لهم الله (وماهو بشاعر) إن محمداً نفذ من روحه النقي وفكره الثاقب في مردة الصحراء وظل يصقل معادنهم بجلَد غريب وهم يقاومونه بعناد رهيب حتى نجح في إنشاء جيل كان أصلب عوداً وأضوأ بصيرة من حواريِّي عيسى عليه السلام فقد صنع محمد عليه الصلاة والسلام أمة عجباً.ولا عجب فما التفت قلوب حول بشر كما التف المسلمون حول نبيهم، وما ظفر أحد بإعزاز وحب كما ظفر بذلك صاحب الرسالة الخاتمة.لقد قال عدوهم في وصفهم عندما قاتلهم: إنهم رُهبان بالليل فرسان بالنهار ولقد تميز أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام بأمرين لم يُعرفا في تاريخ النبوات الأولى.لقد نقلوا الوحي السماوي كله فما سقط منه حرف، ونقلوا السنة المطهرة كذلك وبوأ من التابعين من عمل عملهم، فإذا الإسلام يبقى في أصوله النظرية (الكتاب والسنة) مصوناً من كل شائبة.أما الأمر الثاني، فإن الصحابة رضوان الله عليهم هم الذين جعلوا عالمية الرسالة حقيقة واقعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لحق بالرفيق الأعلى ودينه لم يتجاوز حدود جزيرة العرب، وقد علم الأصحاب الكرام عليهم رضوان الواحد الديان- أن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث للعالم كله، (وما أرسلناك إلا كافة للناس) (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً). فشرعوا ينساحون في الأرض مبشرين ومنذرين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين