11 سبتمبر 2025

تسجيل

المصير المجهول – المعلوم.. لمصر

21 يونيو 2013

وكأن مصر لم تعد تعرف طريقها الذي حلمت به وضحى من أجله أجيال من المفكرين والسياسيين.في هذا الأمر الحاصل الآن شيء طبيعي، إذ البلاد انفتحت على حرية استقطبت في كل يوم من أيام الثورة وما بعد أيامها الأولى، أطراف ومجموعات وكتل مجتمعية لا خبرة لها بالسياسة ولا معرفة لها بها. هذا الحشد الهائل من المتابعين والمشاركين بالعمل السياسي والاهتمام الفاعل بما يجري، يكاد يغرق البلاد في وضع عدم اليقين بحكم جدة علاقته بالسياسة وهي حالة تزول سريعا في تاريخ الأمم.كما طريق الديمقراطية الذي سلكته البلاد بعد الثورة، يجري العمل فيه وفق آليات جديدة تحتاج إلى تجربة وميراث حتى تستقر، فالديمقراطية المستحدثة والمصحوبة بالفوضى السياسية والنفسية،لا يمكن لها أن تستقر على آليات محددة محترمة بين يوم وليلة،خاصة وهي تتعرض للتحايل عليها من كل من أضرت بهم وبمواقعهم. ولا يجب أن ننسى أن الحياة لمدة طويلة تحت ظلال حراب الديكتاتورية، تصنع عادات وتقاليد سياسية وعملية ونفسية يصعب التخلص الكامل منها دفعة واحدة. لكن المقلق أن خط سير مصر لا يجري على هذا النحو الطبيعي والمتحمل في ظل المراحل الانتقالية. هناك من يستثمر حالة الديمقراطية المرتبكة حاليا ليسير بأوضاع البلاد وبأقصى سرعة قاصدا أحداث وتعميق الصدام بين الفئات والمكونات والمؤسسات وبعضها البعض، وقلب الديمقراطية إلى فوضى عارمة والسير بالبلاد كلها إلى المجهول.هناك من يسير بالبلاد نحو الفوضى التي تدمر خط سير الديمقراطية والطرق التي تسير عليها. هناك من يصر على السير بالبلاد نحو المجهول. وهناك من يحاول إضاعة الطريق الأصلي ودفع الناس إلى طرق فرعية لا تصل بها إلى ما تريد. والعنوان لذلك هو ما تنتظره البلاد في يوم 30 يونيو الحالي. هناك من يدفع البلاد لتصبح في وضعية قطار خرج عن القضبان، يسير إلى صدام لا محالة من وقوعه. وهناك من يعمل لكي لا يكون مثل هذا الصدام مروعا للراكبين فيه فحسب بل هو يدبر أيضاً لمن يشاركونه عملية دفع القطار للخروج عن القضبان، ليصل هو إلى أهدافه، التي تتلخص في إنتاج حالة ثورة تقضي على نتائج الثورة الأصلية.هناك من يقود ثورة مضادة على الثورة لكن تحت شعارات الثورة الأصلية وهو لا يرفعها إلا لاجتذاب أبناء الثورة وفي أول محطة من نجاحه سيغدر بهم ويضعهم هم تحت عجلات قطار الثورة المضادة المنفلت تاريخيا من أي قيد أخلاقي أو قيمي أو سياسي. وهناك من يحاول إفشال كل رفض لعدم اكتمال التغيير -الذي لم يكتمل -ويتحدث عن مسار هادئ وكان البلاد لم تشهد ثورة. وتلك حالة خداعية تقوم على استثمار الوقت وتخدير الناس فلا تتخطى حدود الثورة حدود مصالحه وتياره.وكل تلك الأنواع من التفكير والخطط والتحيزات، تندفع إلى صدام، إذ تبدو مصر وكأنها لا تعرف الطريق وصار كل من فيها في وضع صدام مع الآخر. الناس يعيشون حياة الفزع وعدم اليقين وعدم القدرة على معرفة كيف يتصرفون وفي أي جانب ينحازون. لكن ما يطمئن،هو أن ما تعيشه مصر الآن، سبق له أن واجهته عدة مرات في كل المراحل المفصلية لثورتها، وفي تلك السوابق خرجت مصر منتصرة لحريتها وديمقراطيتها، وإن أصاب العطب الاقتصاد والأمن الاجتماعي ودورة استقرار المجتمع. هذا السابق يدفع إلى تفاؤل. وفي مجريات ما يجري الآن هناك ما يدفع للتفاؤل أيضا، إذ إن فترة الحشد والتعبئة لوقوع الصدام قد طالت إلى درجة أفرغت شحنة وطاقة نفسية من بعض المندفعين نحو الصدام ومن الذين يدفع بهم كوقود له.كما أتاح طول المدة فرصة واسعة لإيضاح المخاطر وأعمال العقل وإظهار حجم المخاوف. هل تنجو مصر مما باتت مندفعة أو تدفع إليه يبدو الأمر كذلك عند البعض، لكن الكل مجمع أن لا أحد يستطيع وقف اندفاع القطار.