13 سبتمبر 2025

تسجيل

طهران وواشنطن.. سباق الغضب

21 مايو 2018

حدثت تطوراتٌ مهمة في الأسبوعين الماضيين، لعل أهمها اللقاء التاريخي بين رئيسي كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، وما صدر عن الجانبين قبل المحادثات من أنهما اليوم "عند خط بداية، حيث يُسطّر تاريخٌ جديد من السلام والرخاء والعلاقات بين الكوريتين".  وكان الرئيس الكوري الجنوبي ( مون جيه إن ) قد صافح الرئيس الكوري الشمالي          ( كيم جونج أون) في قرية ( بانموجوم) الحدودية والتي نُزع سلاحها مع انعقاد القمة التاريخية بين الرجلين، وبذلك يكون الرئيس الكوري الشمالي ( أون) أول زعيم كوري شمالي تطأ قدماهُ القسم الجنوبي منذ الحرب الكورية ( 1950 – 1953)!  يأتي هذا التطور بعد أيام من إعلان الرئيس الكوري الشمالي (أون) تعليقَ التجارب النووية والصاروخية بعيدة المدى، وتفكيك موقع للتجارب النووية الوحيد في كوريا الشمالية، وتكتسب هذه القمة أهميتها لقربها من اللقاء المُرتقب بين الرئيس الكوري الشمالي والرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، حيث نشبت أزمةٌ حادة بين البلدين بسبب انفلات التصريحات من الرئيس الكوري الشمالي، وأيضاً انفلات الصواريخ من هذا البلد، ما أدى إلى امتعاض جيرانه، خصوصاً كوريا الجنوبية واليابان، وأيضاً الولايات المتحدة. واعتبر مراقبون موافقة الرئيس الأمريكي على دعوة (أون) تُشكِّل منعطفاً جديداً في العلاقات بين البلدين، ونزعاً لفتيل حربٍ وشيكة بين الكوريتين. في هذا الوقت الذي حبسَ العالمُ أنفاسه، بسبب التوتر بين الكوريتين من جانب، وبين كوريا الشمالية والولايات المتحدة من جانب آخر، يعلن الرئيس الأمريكي ( دونالد ترامب) انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض عقوبات على (طهران). وكان الاتفاق قد أُبرم في (فيينا) عام 2015، ونصَّ على رفع جزئي للحصار الاقتصادي المفروض على (طهران) على أن تُجمّد الأخيرةُ برنامجَها النووي حتى عام 2025. وكان الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) قد حذّر من إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، ما لم يتوافر بديلٌ جيد له، واعتبر أن الاتفاق كان "انتصاراً دبلوماسياً مهماً، ومن الضروري الحفاظ عليه". الدول الأوروبية تبدو غير مرتاحة من قرار الرئيس الأمريكي، وترى أن الاتفاق يشكّل أساساً لاستقرار المنطقة، ولكن تلوحُ في الأفق بوادرُ عدم اتفاق بين هذه الدول، إذ تعارضت التصريحات الفرنسية وتلك الألمانية. معلوم أن الدبلوماسية الأوروبية لعبت دوراً مهماً – خلال الأسبوعين الماضيين – لإقناع الرئيس الأمريكي بضرورة العدول عن قرار الانسحاب من الاتفاق النووي، إلا أن تلك المبادرات لم تغيّر وجهةَ النظر الأمريكية. وكانت وكالة (بلومبرغ) قد نشرت يوم الإثنين الماضي تقريراً أشارت فيه إلى أن (ترامب) "سيراجع الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا، وذلك في 12 من الشهر الجاري". وأشار التقرير إلى إلغاء الاتفاق " سيُشعل بالتأكيد أزمة دبلوماسية مع تلك الدول".  وكانت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي (فيدريكا موغيريني) قد أعلنت عن عقد اجتماع أوروبي حول الاتفاق النووي في (بروكسل) يوم الثلاثاء، في الوقت الذي نادى وزير الاقتصاد الفرنسي (برونو لومير) بأهمية استقلال القرار الأوروبي وعدم تبعيته للولايات المتحدة. ويرى محللون أن الرئيس الأمريكي أصبح مُحاطاً بطوق من المستشارين يميل بعضُهم إلى إلغاء اتفاقات (واشنطن) مع الدول الأخرى ، لعل أبرزهم ( جون بولتون) الذي تسنّم منصب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، وهو الذي لعب دوراً رئيسياً في انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المُوقع مع كوريا الشمالية، عندما كان وكيلاً لوزارة الخارجية عام 2013. وعللَ الرجلُ ذاك التوجه بأن كوريا الشمالية أخفت برامجَ تتعلق بأنظمة الطرد المركزي، وهو ما أقنعَ الرئيس الأسبق ( جورج بوش) بإلغاء الاتفاق. وقد أعلن البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي ضرورة تفتيش المنشآت النووية الإيرانية! كما أعلن الرئيس الأمريكي يوم الجمعة الماضي عن رغبته في التوصل إلى صفقة جديدة مع إيران، واصفاً إياها أنها "الأفضل بالنسبة لهم "، في الوقت الذي أكد فيه أن بلاده لن تسمح لطهران بامتلاك أسلحة نووية. وكان المشهد أكثر من (التراجيدي) في طهران يوم الأربعاء الماضي، عندما تم إحراق العلم الأمريكي ونسخة رمزية من الاتفاق النووي الإيراني داخل البرلمان الإيراني، وسط هتافات من أعضاء البرلمان " الموت لأمريكا" ، في الوقت الذي أعلن فيه رئيس البرلمان (علي لاريجاني) أن الرئيس (ترامب) "لا يصلح لمنصبه، وأنه لا يمتلك العقلية للتعامل مع الأمور". وفي لهجة " تشكيكية" وافق المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية (علي خامنئي) – يوم الأربعاء الماضي - على السماح لطهران بالتفاوض على إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، في الوقت الذي "شكّكَ" في الثقة في الأوروبيين، (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا)، وطالبَ بضرورة وجود ضمانات عملية من الأوروبيين. وبدا الرئيس الإيراني ( حسن روحاني) أكثر هدوءاً، عندما أشارَ إلى ضرورة تحقيق الأهداف الإيرانية من الاتفاق بضمان من الأطراف الأمريكية، "وما لم يتم ذلك، فسنتابع طريقنا". وكان (روحاني) قد أبدى "مرونة" لتعديل الاتفاق. ويوم الأحد الماضي أعلنت (طهران) استعدادها لتعديل الاتفاق النووي. في تطوّر لاحق قال رجل الدين البارز في إيران (أحمد خاتمي) في خطبة الجمعة "إذا تصرّفت إسرائيل بحماقة فسيتم تدمير (تل أبيب) و(حيفا) بالكامل" مضيفاً "إن إيران ستواصل تطويرَ قدراتها الصاروخية رغم الضغوط الغربية"!. ما يهمنا نحن هو تجنيب المنطقة الدخول في سباق تسلح نووي، لأن تداعيات هذا السباق أو ما قد ينتج عن انهيار الاتفاق، سوف يجعل دول المنطقة بأسرها في مرمى حجر من أية تداعيات، ومنها الخيار العسكري! ولابد من أن يتداعى المجتمعُ الدولي – بدُوله ومؤسساته – من أجل العمل على وقف هذا السباق – لجميع الأطراف – وإرساء أُسس السلام، ما يُمكن أن يُجنّب الدول والأفراد ويلاتِ حربٍ أو مناوشاتٍ لن تعود بالخير على المنطقة ولا على دول العالم. لقد تم اتهام العراق بأنه يحتفظ ببرنامج نووي عسكري، وظلت ملاحقات العراق على أكثر من صعيد منذ عام 1991، وتم تفتيش كُلِ شبر من الأراضي العراقية بدعوى امتلاك العراق أسلحةَ دمار شامل، وانتهى الأمر باحتلال العراق وتفتيته، والدفع به للانقسامات الطائفية، وأصبح مرتعاً للعصابات الإجرامية التي عاثت فساداً في البلد منذ 2003، ومع ذلك لم تقدّم الولايات المتحدة أي دليلٍ على وجود أسلحةِ دمار شامل، وهو السبب لغزو العراق والإطاحة بالنظام فيه. فهل تعي إيرانُ الدرسَ العراقي؟ وهل تدرك أن "الاستدراج" الأمريكي لها نحو مستنقع الحرب لن يفيدها، ولن يضّر بأمريكا؟!  أخبرني صديق ثقة – عاد للتو من طهران – أن الإيرانيين منقسمون حول قضية معاداة أمريكا، فطرفٌ يرى أن ما يقوله المُرشد الأعلى كلام لا رجوع عنه ولابد من سماعه وتنفيذه، وهذا هو الطرف المتشدِّد، وهنالك طرفٌ يميل إلى الاعتدال العاقل، ولا يرى مصلحةَ لإيران في "مناجزة" الولايات المتحدة، أو الردّ على تصريحات (ترامب)، بل يجب أن تعتمدَ الدبلوماسيةُ الإيرانية الحوار، وتمدّ يدَها إلى حلفاءَ كبار مثل روسيا والصين والدول الأوروبية، وهذا سُيعيد إيران إلى المجتمع الدولي. نقول يجب ألا تُستدرَج إيرانُ إلى المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة، وهي مواجهة لن تكون في مصلحة إيران، مثلما فعلت الولايات المتحدة مع (صدام حسين) وفرضت عليه حرباً كان من المُمكن تجنُّبها بالعقل لا المناجزة، والمغامرة بمُقدرات الشعب العراقي. نحن نعتقد أن الوقت قد حان لأن تتحول إيران من الثورة إلى الدولة، ولا تشارك في سباق الغضب، وتسدّ كل "الذرائع" لغزوها أو زيادة محاصرتها وعزلها دولياً.