11 سبتمبر 2025
تسجيلقال الحكماء قديما أن دأب الإنسان الشكوى .. بمعنى أن الإنسان لن يرضى مهما أوتى من نعم ومنح إلهية .. فعندما كنا صغارا كنا نستعجل الأيام حتى نصبح كبارا .. الصغار يعتقدون أن الكبار يمتلكون من المقومات والحريات ما لا يوجد لديهم وهذا صحيح إذا صرفنا النظر عن مسئوليات كل مرحلة عمرية .. وأبسطها المذاكرة والإمتحانات فى مرحلة ما قبل التخرج .. بعد ذلك ينتقل البشر لمرحلة أو مراحل جديده مليئة بالمسئوليات ومزدحمة بالمشاكل حتى يتمنى الكبار لو أنهم ظلوا صغارا ولا يتحملون أى مسئوليات يتمتعون بما يوفره لهم الكبار من مأكل وملبس ومسكن وحماية ورعاية من كافة النواحى .. الشئ الوحيد الذى أجمع عليه البشر فى كافة العصور هو حب الآباء لأبنائهم ورغبتهم فى تنشئتهم على أفضل الوجوه بل محاولاتهم الدؤوبة على أن يكون أبنائهم أحسن منهم من كافة الوجوه . ونحن إذا حاولنا – مجرد محاولة – أن نعدد مراحل نمو الإنسان من كافة النواحى الجسمانية والنفسية والإجتماعية كما هو فى أحد فروع علم النفس وهو " علم نفس النمو " فإننا لن نستطيع أن نوفى الموضوع حقه نظرا لتباين البشر وإختلاف طبائعهم ورغباتهم التى قد تصل إلى مئات إن لم تكن آلاف الإختلافات .. وحتى بنية البشر الجسمانية لا تخلو من تلك التنوعات . كانت هذه العبارات جزء من مقدمة لأحد كتبى فى التربية وهو كتاب " فن تربية الأطفال " .. وهو ما أثق أن جميع الناس يتفقون على ذكرته من حقائق فى هذا الكتاب .. لأنها ببساطة طبيعة بشرية .. ولكن كيف يمكن للإنسان أن يرضى ؟ كل الناس غير راضية .. الكل ينظر إلى ما فى أيدى غيره ويتجاهل ما منحه الله له من هبات ونعم .. فالفقير يريد من الله أن يمنحه مالا وفيرا متجاهلا أن الله متعه بالصحة والعافية على سبيل المثال .. وهكذا كل الناس ولو بدأنا نعدد الأمثلة لكتبنا العديد من الصفحات لأن الإنسان لا يرضى حتى عن شكله وخلقته التى خلقه الله عليها .. وفى أحيان أخرى لا يرضى عن المتغيرات التى تطرأ عليه مثل الصلع للرجال فى أواسط العمر .. أو بداية غزو الشيب للجنسين فى أوقات مختلفة من العمر .. ناهيك عن إنحناء الظهر التدريجى مع تقدم العمر .. وهذا كله شئ طبيعى لو نظرنا له بعقلانية .. وأن كل هذه أمور طبيعية حدثت لمن قبلنا وستحدث لمن بعدنا .. فلماذا نحن ؟ هل نحن استثناء مما يجرى على البشر ؟ ولماذا ؟ وهى كما ترى عزيزى القارئ أسئلة لا معنى لها .. والخلاصة أن معظم البشر - إن لم يكن جميعم تقريبا – غير راضون عما هم فيه وما يتمتع به كل منهم من مال أو جاه أو رزق أو حتى الخلقة كما أسلفنا . ترى ماهو الحل ؟ من وجهة نظرى أن الأفضل لنا أن ننظر فيما حولنا ونتدبر فيما منحه الله لنا وليس ما ينقصنا .. وعلينا أن نعرف أن الله عادل لا يظلم أحدا .. وقد جاء هذا الوصف للمولى عز وجل فى الكتب السماوية أكثر من مرة .. ويبسطها لنا علماء الدين " الشيخ محمد متولى الشعراوى وآخرون " فى أن الله يمنح كل إنسان أربعة وعشرين قيراطا من الرزق مقسمة على كافة الأشكال ما بين مال وجاه وصحة وسلطان وذرية وغيرها .. ومن الطريف أنه فى إحدى الإستراحات بين الدروس الدينية التى كان يلقيها الشيخ فى أحد المساجد أن سأله أحد الشباب بأنه يعرف رجلا صاحب مال وجاه ومنحه الله البنين والبنات .. يعنى لديه كل شئ .. وتساءل عما إذا كان هذا الرجل أكثر حظا من غيره .. فتبسم الشيخ فى وداعة وقال للشاب الصغير قائلا : - وما أدراك يا ولدى أنه خالى البال وينام الليل ؟ فرد الفتى على الشيخ : - فضيلتكم على حق يا مولانا لأننى أعلم أن هذا الرجل يشكو دائما من الأرق ويعانى من الصداع لقلة النوم . هذا هو الإنسان المتسرع .. الذى ينظر إلى غيره .. والحل هو أن يمعن النظر فيما منحه الله من نعم وأن يدرك أن لهذا الإختلاف بين البشر حكمة إلهية قد لا يدركها البعض .. وسأكتفى بأن أسوق منها مثالا واحدا وأترك الباقى لفطنة أعزائى القراء .. كل الناس تحب الذرية بغض النظر عن مستواهم المادى .. كل الناس أيضا تحب إنجاب الذكور .. ليس لدى العرب فقط من أيام الجاهلية ولكن حتى الأن وفى كل المجتمعات المدنية والريفية والصناعية .. فى أوربا والولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان .. ولنا أن نتخيل ماذا كان سيحدث من خلل فى التركيبة البشرية لو استجاب الله لرغبة كل الناس ؟ هل كانت ستدوم الدنيا ويسعد الناس ؟ ولهذا قال لنا الخالق بأنه سبحانه وتعالى يمنح من يشاء ذكورا ويمنح من يشاء إناثا ويجعل من يشاء عقيما وهو على كل شئ قدير .. يعنى ببساطة فلنشكر الله على ما منحنا إياه وندعوه المزيد . وإلى لقاء قادم وموضوع جديد بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين