12 سبتمبر 2025

تسجيل

هان الود

21 مايو 2012

أحيانا أتساءل كيف يمكن لأسمى العلاقات وأوطدها أن تنتهى بسرعة، كيف يمكن لما قد تبنيه سنون العمر من حب وود لأن يفقد كل أوكسجينه ويختنق، ويموت فى دقائق تقتلعه من جذوره، وتقضى عليه نهائيا. نعم يحدث أن يهون كل الود ويباع كل الحب فى لحظة غضب، لا يستطيع بعدها أن يستعيد عافيته أبدا ولا تقوم له بعدها قائمة، وان لملمنا أجزاءه كى نعيد شيئا من شكله القديم. فالغضب كالضباب الذى ينتشر بقوة ويختفى سريعا، ولكن فى ظل صعوبة الرؤية فيه نكتشف بعدها ما خلفه من خسائر، كالاعصار السريع الذى لا يخلف بعده الا الدمار. من الأشياء التى لا تنسى انه فى احدى السنوات كانت العائلة التى تبدو السعادة والود على وجه أفرادها القادمين من اجازتهم الصيفية فى أحد المطارات، يتبادلون الأحاديث والضحك، وفجأة حدث بين الزوج وزوجته شجار سرعان ما تحول الى مشادة كلامية فما كان من الزوج وهو فى حدة غضبه الا أن رفع يده وصفع زوجته أمام جميع من كان حولهما من المسافرين، فى منظر مؤسف حقا، فما كان من زوجته فى تلك اللحظة الا أن يرتفع صوتها أمام الجميع مطالبة بطلاقها الفوري، ورفضها التام أن تصعد معه على نفس الطائرة، ولا شك أن استجابتها السريعة تلك لم تكن من رغبة حقيقية لكنها نوع من الثأر واستعادة شيء من كرامتها التى أهينت، وردا لاعتبارها كى لا ينتهى الموقف بضعفها. ورغم ان لحظة الغضب الطائشة تلك قد بدت انها انجلت عند ذهول الزوج لما فعله، الا أن ذلك لم يغير فى الموقف شيئا فقد أهدر الحب وهان كل الود، وما سقط وتفتت يصعب كثيرا تجبيره واخفاء آثاره. هناك الكثير من الناس فى حياتنا نعتقد بأنهم الذهب الذى لا ينضب بريقه، ولا تغيره صروف الزمن، نحفظهم فى حيز من قلوبنا كمن يحفظ قطعة ثمينة فى صندوق مقفل بأقوى الأقفال، ونعتقد أن ودنا الكبير لهم كفيل بألا يغيرهم تجاهنا، وأن يجعل احترامهم وتقديرهم لنا أهم ما بحياتهم، وانهم لن يقسوا علينا لمجرد لحظة غضب يدعونها لتسيطر عليهم، لكن عندما تأتى لحظة الغضب قد نهون عليهم كثيرا، ويهون ودنا الذى طالما سقيناهم من نعيمه. قد نستصغر الغضب أحيانا ونرى أنه جزء من التركيبة الحياتية لكل انسان وطبيعة لا يستطيع أن ينسلخ عنها، لكن هناك لحظات من الغضب قد يدفع الانسان من ثمنها الكثير، وقد يخسر الكثير، وما أسوأ أن يخسر الانسان من يودونه بسبب لحظة غضب يسترسل فيها ولا يكبح جماحها، ويكسر قلوبهم بشدة بسبب هوان كل الود عليه. اغضب كما تشاء.. ولكن انتبه ولا تخسر من تحبهم ويودونك كثيرا بسبب لحظة غضب.