20 سبتمبر 2025
تسجيلالفقر المادي هو أسهل أنواع الفقر تجاوزاً، لأنه حالة دنيوية وليس حالة وجودية، الفقاعة المالية فقيرة وجودياً على الرغم من غناها دنيوياً، معظم أمراضنا الاجتماعية تأتي من معاناتنا من الفقر الوجودي، هو فقر في الإحساس بوطأة الوجود الإنساني والتماهي مع أنواع من الوجود الأخرى، وليست سوى التحاق بالآخرين أو تنازل بكينونتك وانسحاق أمام ريع الوجود الاجتماعي الزائف سواء كان مالاً أو منصباً أو مكانة هشة، كثيرون تجدهم هنا وهناك وأعراض هذا الفقر الوجودي واضحة لمن يدرك حقيقة الوجود الإنساني الأصيل، الفقر الوجودي هو وجود للاستخدام تماماً كوجود الأشياء الأخرى، المطرقة، المنشار، الفوطة... إلخ. كثيرون أولئك الذين يسعون للبروز في المجتمع، ولكن يفضح ويكشف أسلوب هذا السعي فقرهم الوجودي، فهم لا يشعرون بكينونتهم بقدر ما يسعون لإشعار الآخرين وبإلحاح مستمر بأن أحدهم أصبح شخصاً مهماً، يهديك ليريك ما يمتلك، يدعوك لكى ترى أين يقيم وكيف يقيم وفي أي فخامة ينزل؟، ليس انطلاقاً من أريحية نفس أو أسبقية خصلة، ولكن الذي يحركه الشعور بالفقر الوجودي المتكدس في اللاشعور، وعدم مرور انتقاله المادي سواء كان ثروة أو منصباً أو جاهاً بالمراحل الطبيعية والتعرجات التاريخية اللازمة لتصنع منه إنساناً ممتلئاً وجودياً، هي ليست عصامية ولا حتى عظامية، هي طفرة وجودية سرطانية تسحق الإنسان وتُظهر التكتل الاجتماعي الزائف بشكل غير مسيطر عليه. مجتمعاتنا الخليجية ممتلئة بأصناف وأنواع الفقر الوجودي نتيجة الطفرات المالية التي أحدثها ويحدثها توزيع الريع في إنتاج أيقونات اجتماعية لخدمة الأنظمة، حيث من الصعب وربما من المستحيل السيطرة على من يمتلكون الغنى الوجودي قبل الثروة وقبل المنصب، خطورة الفقر الوجودي أنه لا قعر له، سيظل صاحبه يعاني منه مهما امتلك من مادة وثروة وسيتحول في الأخير إلى مادة لتندر المجتمع وإشفاقه. يبقى أن يتنبه المجتمع لمن كان غنياً وجودياً وإن كان فقيراً مادياً، وبين من هو غني مادياً وفقير وجودياً، فالفرق بينهما كبير، فالأول إضافة رغم عسره والثاني فقاعة رغم يسره وغناه. [email protected]