11 سبتمبر 2025
تسجيلباستثناء بنادق صيد الطيور، تشكل الأسلحة التي يمتلكها العرب أكبر خطر حقيقي على حياة العرب، فأكثر الدول العربية تسعى إلى امتلاك وتحديث قواتها المسلحة بأكثر المعدات العسكرية تطورا وأسرعها فتكا، وتدعم القوات المسلحة في بلاد العرب جيوشها بالجنود والقادة الذين يتلقون أعلى مستويات التدريب وتصرف عليهم ملايين الدولارات من خلال دورات عسكرية في الولايات المتحدة وروسيا وإنجلترا، فيما لا ينسى عربنا أن يغدقوا على أسلحة الجو بأحدث الطائرات المقاتلة، ومع هذا تضع الدول الغربية وتحديدا الولايات المتحدة عراقيل عدة أمام امتلاك بعض الدول العربية أو جميعها للأسلحة المتطورة وأنواعا محددة من الطائرات المقاتلة والصواريخ طويلة ومتوسطة المدى، ودائما ما تكون إسرائيل الدولة المحتلة هي أحد أهم أسباب الحظر العسكري علينا.الطريف في مسيرة الميزانيات العسكرية العربية أن قادة ورؤساء أركان جيوش يذهبون إلى واشنطن مثلا وعواصم أخرى لإقناع ساستها وبرلماناتها للموافقة على صفقة عسكرية حتى يتمكن جيش ما من قتل شخص ما أو خوض المعارك ضد شعبه في لحظة ثورة أو انقلاب، كما رأينا في سوريا وقبلها في ليبيا والعراق وأخيرا في اليمن.والمبكي أن أولئك الرؤساء ووزراء الدفاع وغيرهم من المسؤولين لا يذهبون إلى تلك العواصم لإقناع أهلها بدعم شراء القمح أو المواد الغذائية أو الأدوية أو المعدات الصناعية لإطعام وإلباس وتدريب الناس، بل لا يفكرون أولا كيف يصنعون واقعا معيشيا ومناخا سياسيا واقتصاديا وفكريا تدعمه خطط التنمية البشرية والاقتصادية، ثم يلتفتون إلى حاجة بلادهم من السلاح المستورد، وإلا لتمكنوا من بناء صناعات عسكرية وطنية تغنيهم عن تسول السلاح، وقوة دفاع شعبي تحملهم فوق الأكتاف وتدافع عنهم بالأظفار حينما يؤمنون بقياداتهم.وتماما كما استهل رئيس مصر عبد الفتاح السيسي أولى زياراته خارج بلاد العرب، ليذهب إلى روسيا لشراء السلاح بدل القمح، ذهب رئيس وزراء الحكومة العراقية حيدر العبادي إلى واشنطن لطلب المساعدات العسكرية حتى تتمكن قوات بغداد ومليشيات الحشد الشعبي من دحر "داعش" وبمعية داعش يقتل عشرات الآلاف من أبناء الشعب العراقي السنة.واليوم تدور المعارك بمساندة القوات الإيرانية والأمريكية في محافظة الأنبار السنية والأكبر مساحة في الجزء الغربي من العراق، وبناء عليه وصل عدد الفارين من القتال إلى نحو مائة ألف من المدنيين والعائلات والأطفال، ومع هذا يرفض محافظو مدن بغداد وكربلاء والنجف الأقرب لهم السماح بدخولهم، لتتكرر مأساة موت آلاف الأبرياء في لعبة السلاح العربي.في اليمن التي تعيش أقسى ظروفها الحياتية التي توجها الحوثيون وحليفهم علي صالح بتدمير مؤسسات الدولة، يظهر كم كان الطلب على السلاح من قبل الرئيس المتآمر علي عبد الله صالح وعصابته لا يغدو عن كونها صفقات فساد للإثراء وتخزين المليارات طيلة سنوات بعيدة، ترك اليمن خلالها ليغرق في الفقر والتخلف و"تخزين القات" المخدر، والتردي السياسي ومحاربة الإسلام السياسي التنويري، حتى تم الكشف عن ثروة صالح لوحده بتقدير أممي يعادل 60 مليار دولار، حيث ترك اليمن نهبا للتشرذم والتخلف والإفقار والأمراض في الوقت الذي تنتج البلاد النفط والغاز والعديد من الثروات.في سوريا التي ظهر أخيرا الكنز الذي أخفاه النظام لشعبه "الحبيب" داخل براميل متفجرة وأحياء مدمرة وسجون الزائر لها مفقود للأبد، يسجل التاريخ كم حقق النظام توازنا عجيبا في خطابه المراوغ الذي حمل عنوان المقاومة والقومية للعدو الصهيوني، وما بين إخضاع الناس لقبول أفكاره والانخراط في لعبة الاستغباء السرمدي، حيث يشترى السلاح بكميات هائلة ولا يستخدم لتحرير الجولان أو إسقاط الطائرات الإسرائيلية التي "صقفت" أهدافها في شرق سوريا قبل اندلاع الثورة، ثم لا يزال الناس رغم حصاد الأرواح البريئة يؤمنون بنظرية المؤامرة التي سوقها نظام الأسد وقوى الدعم من خلفه طهران ووكلاؤهم في المنطقة.المحزن أن شعوب الدول العربية التي تلهث لشراء الأسلحة بمليارات الدولارات لا يملك غالبيتهم مقومات العيش الكريم من تعليم وطبابة وغذاء نظيف أو وظائف محترمة، فيما أنظمتهم تخزن الأسلحة الفتاكة لمحاربتهم فور ارتفاع أصواتهم بالاحتجاجات أو المظاهرات التي تنشد التغيير السياسي والإصلاح الاقتصادي، فمنذ أول حاكم سلطوي استقوى بالسلاح والدبابات على شعبه وهو أوضعهم نسبا وأقلهم عزوة، لا تزال العقليات السلطوية التي لا يعرف لها أب ولا شجرة عائلة سوى القوة الجبرية لإخضاع الشعوب، فهؤلاء هم حكام السلاح لا يستطيعون الاستغناء عنه لأنه إكسير حياتهم.