20 سبتمبر 2025

تسجيل

فوبيا الجزيرة!

21 أبريل 2011

لم تكتسب يوماً وسيلة إعلامية عداءً من الرؤساء العرب والأجهزة التابعة لهم. كما فضائية الجزيرة،ففي كل دول الانتفاضات والثورات العربية،اتهمت الأنظمة والأجهزة الرسمية التابعة لها،القناة. بأنها المحرض الرئيس للحركات الجماهيرية فيها.فإذا كانت الجزيرة تلعب مثل هذا الدور في الوطن العربي. وهو تحريك الركود. والانتصار للشعوب العربية. والتطلع نحو مستقبل ديموقراطي تسود فيه العدالة والحرية والمساواة. في مواجهة الفساد والتبعية والتخلف والمحسوبية. ونهب المال العام. وتحويل الأوطان إلى مزارع خاصة للحكام وأبنائهم،يسرحون فيها ويمرحون. ويستبيحون كل شيء في سبيل تضخيم ثرواتهم مئات المليونية،بل الملياردية،إذا كانت الجزيرة تفعل مثل هذا،فتستحق أن تُقدم لها جائزة نوبل للإعلام(وأقترح على لجنة نوبل المسؤولة عن الجوائز تخصيص جائزة في هذا المجال). وتستحق أن تُقدم إليها كل الجوائز التقديرية في الوطن العربي والعالم على حدٍّ سواء. اتهم الرئيس المخلوع بن علي قناة الجزيرة بالاسم،بأنها من حرضت الجماهير التونسية على الثورة،كذلك مبارك. والآن يردد نفس الأسطوانة كل من العقيد معمر القذافي والرئيس علي عبدالله صالح،وغير هؤلاء كثيرون. اتهموا الفضائية: بأنها السبب في تخريب العلاقات البينية العربية،باعتبارها تخلق المشاكل والقضايا الساخنة بين الدول العربية،وقامت دول كثيرة بإغلاق مكاتب الجزيرة فيها. وطرد مراسليها،هذا إن لم تعتقلهم! كما هو الآن في ليبيا.لقد قدمت الجزيرة شهداءً كثيرين من مصوريها ومراسليها وطواقمها. في سبيل نقل الحقيقة إلى المواطن العربي. والعالم. لقد تفوقت الجزيرة على وسائل إعلامية عالمية عديدة. كان يُعتّدُ بها،باعتبار الوصول إلى مستوياتها شيئاً مستحيلاً! ولذلك فهي أولاً وأخيراً إنجاز لا يُسجّل لقطر فقط. وإنما هي إنجاز عربي.لقد اعترف بتفوق الجزيرة كثيرون من المسؤولين على صعيد دول العالم،لعل من بينهم:هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية. التي قالت هذا الأمر صراحةً. في أحد مؤتمراتها الصحافية. نعترف:لقد شكل ظهور الجزيرة. نقلة نوعية في الإعلام العربي،إن من زاوية الحديث الحر غير المقيد بمحرمات.لمن يشارك في برامجها. أو في الحرص على إظهار الرأي والرأي الآخر في تناول القضايا،أو من زاوية الجرأة في طرح قضايا. كان الخوض فيها مسدوداً. ومحرّماً أمام المواطن العربي. عملياً: لقد وصل الوضع سابقاً بالكاتب السياسي. والمحلل. وصاحب وجهة النظر المعارضة للحكومات وأجهزتها إلى أن يصنع في داخله رقيباً(أشد من مراقبي الحكومات والأجهزة) على ما يكتب. اختفى كثيرون من الكتاب في غياهب السجون لأشهر وسنوات طويلة. عقاباً على مقالات كتبوها أو وجهات نظرها حملوها. وكان إنجازاً لأهل المعتقل. أن تعترف الأجهزة المعنية بوجود ابنهم لديها،لأنه وفي دول عربية عديدة. كان المعتقلون يختفون نهائياً....لذا نسأل المعنيين: هل هذا الوضع الذي ثارت(نعم ثارت) عليه الجزيرة يعتبر تحريضاً؟ وهل وهل وهل؟ الأمة العربية منذ نشأة الدولة القطرية العربية الحديثة بعد سايكس بيكو. عانت من خلافات النظام الرسمي العربي فيما بين دولها(وهذا قبل ولادة الجزيرة بالطبع)،ووصل الخلاف بين هذه الدولة. وتلك إلى حد الاحتراب.الاجتماعات العربية الجمعية الوحيدة على صعيد العالم العربي،التي تنجح دوماً هي اجتماعات وزراء الداخلية العرب،كل الاجتماعات سواها كانت مثاراً للخلافات. بدءاً بمؤتمرات القمة. وصولاً إلى اجتماع صغير على مستوى السفراء العرب....فهل تُعتبر الجزيرة السبب في ظهور الخلافات العربية،وهل وهل وهل؟ من ناحية ثانية، هل الأوضاع الحياتية للشعوب في دول التغييرات الثورية العربية. كانت في أرقى مستوياتها،ثم كانت الجزيرة هي السبب في ثورة الشعوب؟على ما يبدو أن الأنظمة السابقة(في تونس ومصر) والحالية(في اليمن وليبيا وغيرهما). لا تعترف بالتطور ولم تقرأ شيئاً عنه،ولم تعرف معنى الديموقراطية واستحقاقاتها،ولا تعترف بالعدالة والمساواة. وتكافؤ الفرص والوضع الاقتصادي المريح للشعوب،وقبل ذلك لا تعترف بالحرية والكرامة لشعوبها.... وغير ذلك الكثير! لو كانت هذه الأنظمة تعترف بهذه الظواهر الإنسانية المتوجب أن تكون ملازمة للحكم(فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)،و تعترف بأن الظلم الذي تمارسه وصل إلى مستويات عالية لم تعد تُطاق أو تُحتمل من قبل الشعوب. وأن مآل الأمور في هذه البلدان سائر باتجاه الثورة.... لو اعترفت الأنظمة بذلك. لما قامت باتهام الجزيرة أنها المحرض على الثورة في بلدانها! لا أعتبر هذا المقال دفاعاً عن الجزيرة، فهي ليست بحاجة لمن يدافع عنها،ولقد سبق لي أن كتبت على صفحات هذه الصحيفة(الشرق) مقالاً طويلاً بعنوان:(ما للجزيرة وما عليها).ما نكتب هو إنصاف ليس إلا!فالنظام قد يستطيع ظلم بعض الناس كل الوقت،أو ظلم كل الناس،بعض الوقت، لكنه لا يستطيع ظلم كل الناس. كل الوقت. فهذا مخالف لطبيعة التطور. كظاهرة حتمية تاريخية،ولحسن الحظ في زمننا أنه مُصَاحَب بتقدم هائل في التكنولوجيا وفي عالم الاتصالات وعالم الإعلام،لكن أنظمة الدكتاتورية تريد تغطية الشمس بغربال،وهذا مخالف للطبيعة وللقوانين والنواميس!