19 سبتمبر 2025
تسجيللا تزال باكستان تعيش تحديات ما بعد إقالة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، والتي حصلت العام الماضي في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية، ولا تزال الأزمة تأخذ بمناح عديدة من البلاد إن كان على المستوى الداخلي، أو على المستوى الاقتصادي، وحتى المستوى السياسي، الأمر الذي يدع البلاد في حالة غير مستقرة مما ينعكس على مجالات عديدة، ولكن يظل التحدي الرئيسي ولبّ وجوهر التحديات هو آلية التعاطي بين الحكومة والمعارضة ممثلة بعمران خان الذي لا يزال يبدي قدراً كبيراً من التحدي والإصرار على العودة إلى السلطة، في الوقت الذي يمانع الطرف الآخر ذلك. التقليد المتبع في السياسة الباكستانية طوال العقود الماضية، وترسخ أكثر في آخرها، وهو أن أي رئيس حكومة تتم إقالته وخلعه لا يمكنه العودة إلى السلطة، حتى يبرر صدق من أقاله، ولا يُتهم من أقاله بالخطأ، لاسيما وأن الجهة التي تقيل في الغالب هي الجيش بشكل علني أو سري، فقد تعارف الكل سياسياً أن الحكومات التي تقال يقوم رئيسها وأقطابها بالخروج من البلاد لفترة محددة، كما حصل في العادة مع نواز شريف حين أطاح به الجنرال برفيز مشرف، فغادر البلاد إلى السعودية، ونفس الأمر حصل غير مرة حين غادرت بي نظير بوتو وزوجها آصف علي زرداري إلى الإمارات العربية المتحدة أو لندن، مما يفسح المجال لقوى جديدة بالحكم، في سياسة أشبه ما تكون بسياسة الباب الدوار وهو ما تتسم به السياسة الباكستانية بشكل عام. اليوم نحن أمام تحدٍ جديد وهو عمران خان المصر على التمسك بالسلطة، والمصر معها على فتح جبهات عدة مع كل مفاصل الدولة التي يتهمها بالفساد والمحسوبية وعلى رأس هذه المؤسسات الجيش والأمن، وحتى القضاء الذي اتهمه بالفساد والمحسوبية فرفض أن يمتثل لأوامره بالمثول أمام محاكمه، مما شكل حالة من الفوضى في الشارع الباكستاني وكاد أن يتسبب في أزمة حقيقية، لاسيما مع إصرار قادة حزب الإنصاف الذي يقوده عمران خان على وصف باكستان كجمهورية موز، وهو الأمر الذي لن تقبله بأي شكل من الأشكال المؤسستان الأمنية والعسكرية، اللتان تريان نفسيهما على أنهما حاميتان لباكستان ولحاضرها، ومستقبلها. اليوم بعد مرور سنة تقريباً على إقالة عمران خان، لم يظهر في الأفق حتى الآن موعد جديد للانتخابات الباكستانية الجديدة، وهو الأمر الذي يترقبه حزب عمران خان، وهو الذي بالتأكيد سيواجه استحقاقات كثيرة وعلى رأسها موقف المؤسستين الأمنية والعسكرية اللتين فتح النار عليهما، بالإضافة إلى مؤسسة القضاء وغيرها من المؤسسات، بحيث لم يبق له مؤسسة يمكنه التعامل معها بشكل طبيعي، وتظل الأحزاب الأخرى التي قد تتحالف مع بعضها ضد عمران خان مسألة عويصة قد تهدد عودته إلى السلطة، لاسيما مع إمكانية حصول تحالف من الأحزاب القوية التقليدية، لكن تظل مسألة دخول حزب الرابطة الإسلامية وحزب الشعب الباكستاني غير معقولة في المستقبل القريب، إلاّ إذا كان تنسيقاً على بعض المقاعد الانتخابية في مواجهة خان، وهو الأمر الذي قد يهدد قدرته في البروز كقوة وطنية على مستوى باكستان كلها، مما سيعني حصره في إقليم بختون خواه وعاصمته بيشاور، مما يجعل مسألة تعاون الحكومات الإقليمية مع الحكومة المركزية صعباً إن لم يكن مستحيلاً. التحديات كبيرة أمام باكستان، وأمام عمران خان وحتى أمام خصومه، وهكذا الحياة السياسية الباكستانية، فهي غالباً ما كانت في عين العاصفة الداخلية أو العاصفة الخارجية، ولكن قدرها هذه الفترة أن تكون عاصفتها داخلية.