30 أكتوبر 2025

تسجيل

التطرف العاطفي

21 مارس 2018

أحد أصدقائي تنقل بين عدة وظائف، من وزارة لأخرى، ومن مؤسسة تعليمية إلى شركة نفطية، وهذا ليس أمراً سلبياً، فهو سيصقل وينوع خبراته ومهاراته. ولكن الغريب أنه في بداية أي وظيفة جديدة فهو يثني على الجهة التي يعمل بها بشكل يصل أحيانا إلى المبالغة غير القابلة للتصديق: فالزملاء متعاونون لأقصى درجة، وأجواء العمل مفعمة بروح الإبداع والابتكار، ومجال التعلم والتطور واسع جداً، والجميع يحييه ويرحب بوجوده بينهم. ولكن بمجرد أن ينتقل صديقي هذا لجهة عمل أخرى، فإن الجهة السابقة تكون سيئة للغاية: فالزملاء حقودون، وأجواء العمل مليئة بالأكاذيب والألاعيب، ومجال التطور يظل حكراً على فئة قليلة من الناس، بعكس الجهة الجديدة التي انتقل إليها للتو، وهكذا دواليك. شخص آخر كلما اشترى سيارة جديدة قال فيها ما لم يقله قيس بن الملوح في ليلى، فهي رائعة، وسلسة في القيادة، وبها الكثير من المزايا والتقنيات، والوكيل المحلي يقدم خدمات متميزة. ولكن بمجرد أن يبيعها يقول فيها ما لم يقله الإمام مالك في الخمر، فهي كثيرة الأعطال، وتكاليف صيانتها مرتفعة، والوكيل المحلي لا يهمه سوى كسب المزيد من المال. عندما تزيد العاطفة عن حدها فإنها تطغى على العقل، وتعمي الشخص عن الحكم الصحيح، فينطبق عليه قول الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة         ولكن عين السخط تبدي المساويا وكذلك الحال مع بعض الأصدقاء والزملاء، فعندما تكون العلاقة طيبة، فكل واحد منهم لا يذكر إلا محاسن الآخر، ويتغاضى عن مساوئه. ولكن إذا دب خلاف بينهما، فسرعان ما يتحول الآخر إلى شيطان مارد مارق، لا توجد به أي صفة حسنة. لا يوجد شخص أو شيء خالٍ من المزايا، أو نقي من العيوب، فحكّم عقلك مهما احتد الخلاف.