03 نوفمبر 2025
تسجيلعند وصولنا للمطار بعد رحلة طويلة، وقفنا في طابور شباك الجوازات. كان أمامي شاب من دولة أخرى، بدا مرتبكاً، وبدأ يقلب صفحات جواز سفره ودسّ بينها ورقة نقدية. وعندما حان دوره، قدم الجواز للموظف الذي انتبه للورقة النقدية، فما كان منه إلا أن ابتسم وأعاد المال للشاب قائلاً: لعلك وضعت المال في حقيبة الجوازات وتسللت هذه الورقة لجوازك. اندهش الشاب واستغرب من تصرف الموظف، وهو يمد يده لاسترجاع المال. يبين هذا المشهد بأن كلاً من الموظف والشاب لديه «نموذج ذهني» مختلف تماماً. فالشاب نشأ في بيئة تعتبر الرشوة أمراً عادياً، فالمواطن هناك لا يستطيع أن ينجز معاملاته الحكومية -حتى وإن كانت عادية كتجديد جواز السفر أو استخراج رخصة قيادة- إلا عندما يضع بين طياتها مبلغاً من المال، فمن الطبيعي في مجتمعاتهم أن يستغل الموظف الحكومي منصبه لجباية المال من الناس. بينما نشأ الموظف في بيئة لا توجد بها مثل هذه الأمور، ولم يعايشها، فالمعاملة الحكومية تستكمل بمجرد استيفائها للشروط. يبني عقل الإنسان النماذج الذهنية Mental Models بناءً على ما شاهده وتلقّاه في بيئته التي نشأ بها وتجاربه في الحياة. وهذه النماذج الذهنية هي التي تحدد طريقة تفكير الشخص وتفسيره للأحداث والمواقف والظواهر، وتحدد سلوكياته وقراراته وردّات فعله. يقول جيمس كلير، مؤلف كتاب العادات الذرية، وأحد أهم الباحثين في موضوع النماذج الذهنية، بأن الخطأ الذي يقع فيه الكثيرين هو اعتقادهم بقدرتهم على تفسير كل شيء في الحياة بناء على خبراتهم وتجاربهم، والحل هو بالرجوع للنماذج المجربة والمبنية على أبحاث مثبتة، وليس فقط من خلال تجربتك وآرائك الشخصية. وكما قال أحد الحكماء: نحن لا نرى العالم كما هو، بل نراه كما نحن.