19 سبتمبر 2025

تسجيل

أبناء الخليج وفقدان الوعي

21 مارس 2018

في الوقت الذي يتطلع فيه أبناء الخليج إلى تحسين مستوياتهم المعيشية، وإيجاد وظائف ملائمة للآلاف من الخريجين، وإيجاد مساكن لائقة لأسرهم تؤمن لهم الحياة الكريمة، وفي الوقت الذي تصارع دول العالم للحاق بركب الحضارة ومحاربة آفات العصر، من فقر وجوع ومرض وحروب، تظهر في سماء الخليج بوادر انشقاقات وتهديدات حقيقية لمستقبل أبناء الخليج.  فالحصار الذي تم ضربه على دولة قطر منذ عشرة شهور لم يستفد منه أبناء الخليج شيئاً، بقدر ما تضرروا منه بلا استثناء! والحرب الإعلامية الطاحنة التي تدور منذ عشرة شهور من دول الحصار ضد دولة قطر، ومن حق دولة قطر أن ترد على تلك الحرب بمثلها، أيضًا هذه الحرب لم تفد المواطن الخليجي بقدر ما شوَشت أفكاره، وأبعدته عن التبصّر في حقيقة المواقف! ومع الأيام تتكشف حقائق دامغة تثبت أن ما ادعته دول الحصار ضد دولة قطر لم يُبن على حقائق، بل كان محاولة لزعزعة الحكم في قطر والاستئثار بالثروات القطرية دون وجه حق. قد يقول قائل هنا: لو كانت الدول التي خططت ونفذّت الحصار فقيرة، لكان ذلك مبررًا لما قامت به، ولكنها دول غنية وتمتلك ثروات هائلة. ومن ناحية الادعاءات، فإننا مع الأيام نكتشف انجلاء الضباب والتشويش عن وجه الحقيقة، وتبدأ الدول ذاتها الاعتراف بأخطائها، كما حصل في قضية اختراق الطائرة الإماراتية للأجواء القطرية، وأيضًا تلك الخريطة التي أزيلت منها دولة قطر، حيث نادى متحف اللوفر في فرنسا بعدم تضمين السياسة في القضايا الثقافية. وكان قسم متحف اللوفر في أبوظبي قد قام بإصدار خريطة لمنطقة الخليج العربي وقد مُسحت منها دولة قطر! ونحن نعرف أن المتاحف تحفظ حقائق التاريخ كما هي، وليس من مهمتها توظيف المتاحف والآثار في الأمور السياسية. كما أن المتاحف تهدف إلى تقديم الحقائق والتراث الإنساني المادي وغير المادي مجردًا من أي تدخل أو عبث في الشكل أو المضمون. فكيف يمكن أن يثق إنسان في محتويات متحف تم تزويرها، وهو يقصد البحث عن الأصل الطبيعي لمكونات ومحتويات المتاحف؟  كما أن من شأن ذاك التحريف أن يؤجج المشاعر، كما حدث من الأشقاء العمانيين عندما عرض (اللوفر أبوظبي) خريطة أزيلت منها منطقة (رأس مسندم) العمانية وألحقت ضمن حدود دولة الإمارات العربية المتحدة. وهذا ما أثار الرأي العام العماني! ويبدو أن سلطنة عمان تدرس الأمر بروية، حيث لم يصدر بيان رسمي بهذا الشأن. ولئن كان هناك خطأ في الخريطتين (قطر وعمان) اللتين تضمنهما متحف اللوفر أبوظبي، فلا بد أن يُصحح الخطأ ويتم الاعتذار، كما يحدث في مثل هذه الظروف. نحن لسنا بصدد المحاسبة الآن، لأن المحاسبة لها قنواتها الرسمية والقانونية والجهات المسؤولة تتابع هذا الأمر. نحن اليوم نحتاج لأن يصحو شعب الخليج وتكون له الكلمة الحقة فيما يجري على الساحة الخليجية! فحقًا توجد أصابع خفية وبارزة لا تريد الأمن والاستقرار للمنطقة التي عُدّت من آمن مناطق العالم؛ إلا أن شياطين الإنس لا يريدون هذا الأمن، ويسعون إلى تقويض الجهود المخلصة للذين يبنون بلدانهم ويوفرون الخير والأمن لشعوبهم. لقد تم التخلص من عناصر (القاعدة) و(داعش) في العديد من دول المنطقة، باعتبارها مثيرة للقلاقل، وتعرّض الآمنين ومنجزات الدولة الحديثة للخطر، كما حصل في العراق وسوريا وبعض دول المنطقة، إلا أن الإرهاب بدأ يطلُّ عبر وجهٍ جديد، وتمثّل في "نهم" الانقضاض على الدول الآمنة، ومحاولة سلب خيراتها، دون وجه حق، وإرجاعها إلى مستوى الدول المتخلفة والتي تجاوزها التاريخ. إن تعاون المنطقة سوف يجلب لأبنائها الخير الكثير، ويوفر لهم فرص العمل، ويصل الأرحام، وينعش الاقتصاد، ويُنمي المشاريع الصغيرة والكبيرة.   أما ما حدث منذ الخامس من يونيو عام 2017 فإنه لا يصبُّ في هذا المسعى الطيب، قدر ما يؤجج مشاعر العداء بين أبناء المنطقة، ويجعلها أسيرة الإشاعات والبيانات الكاذبة، حيث يعتمد إعلام دول الحصار اللعب على المشاعر الوطنية والقبلية، الأمر الذي يساهم في تشطير الأسر والقبائل، وينمّي حالة من الكراهية لم تعرفها المنطقة.  إن وعي شعوب الخليج يساهم في قدرتهم على التمييز بين الحقيقة والكذب! أو دحض الافتراءات حول توظيف بعض القضايا (مثل الإرهاب أو ممارسة السيادة الوطنية) في قضية الخلاف حول الأزمة الخليجية.  فكم من الادعاءات التي نمّطتها الفضائيات ذهبت أدراج الرياح ولم تستند إلى حقائق!  كما أن المطالب الثلاثة عشر التي هدّدوا قطر بها – لمدة عشرة أيام وتعتبر لاغية – ألغت نفسها بنفسها، لأن الركاكة التي صيغت بها تلك المطالب لم تجعلها تصمد أمام الحقيقة. بل إن دول الحصار قد تناست تلك المطالب، في خضم البحث عن أكاذيب، وأعمال استفزازية ضد دول قطر وشعوب المنطقة. إن التراشق الحاصل بين المغردين السعوديين والكويتيين خير دليل على ما ذهبنا إليه، إضافة إلى توظيف شركات الدعاية والإعلان للترويج لهذا البلد أو ذاك، وصرف المليارات على قضية هي خاسرة من الأصل. نقول: نحتاج لأن يكون وعينا الخليجي أوضح وأوسع وأعمق وأن تسعى الأطراف نحو تغليب لغة الخير والمحبة والسلام، وتترك عنها ما يثير العداوة والبغضاء، وزج الشعوب في مشاحنات ومماحكات لن تفيد أيًا من هذه الشعوب، ولن يسلم أحد من نتائجها الوخيمة. نعم نحتاج إلى عقول منتجة، تخطط للغد الآتي، وترسم مستقبل الأجيال من خريجي المدارس والجامعات، ولا يجوز تلويث هذه العقول بالافتراءات، ودفع هذه الشعوب بالقوة وفرض قوانين صارمة لهذا التصديق دون وجه حق، لأنَّ من حق هذه العقول أن تشعر بقيمتها ووجودها وقدرتها على التفكير والإنتاجية، ولا يجوز لهذه العقول أن تسمح للحكومات أن تفكر نيابة عنها.  لأن الله وهب الإنسان عقلا، وهو القادر على التبصر واتخاذ المواقف الملائمة، ولا يجوز إرهاب هذا العقل بفرض قوانين لا تجيزها المواثيق الدولية. وفي ظل هذا التراشق الإعلامي، الذي لن يفيد أحدا، تضيع حقوق المواطنين، لأن تفكيرهم يتركز حول الحدث وردة الفعل، والبحث عن طرائق مبتكرة – عن طريق الإعلام – للرد أو الهجوم. وتجد المواطنين متحفزين، وقد تتأثر أحوالهم النفسية والأسرية نتيجة هذا التراشق الذي لن يفيد أحدًا، الأمر الذي يجعلهم ضمن مجموعات تساق إلى وجهات تحددها الحكومات، دون أن يكون لهم رأي في تلك الوجهات، بل إن نشر مواضيع غير حقيقية في إعلام دول الحصار، وتعويد الجمهور على "استلذاذ" هذه الأمور يجعل هذا الجمهور "مدمنًا" هذا النوع من الإعلام، ويبعده عن التفكير في الحقيقة، وإلهائه عن مشاكله ومعاناته اليومية، وبالتالي تسهل قيادة هذا "القطيع!" إن عالم اليوم يستوجب أن تُناقش الأمور ضمن سياقاتها الطبيعية بعيدًا عن لغة التحريض والتشنج والافتراءات، لأن الشعوب سوف تكتشف الحقائق – ولو بعد حين – وكيف عالجها الإعلام في دول الحصار، وبالتالي عندما تبرز الحقائق وتتكشف الأمور، سوف يفقد المتلقي ثقته في إعلامه ولن يواصل متابعته. إن أبناء الخليج عائلة واحدة، ومن المؤسف أن يتم تجنيد بعض ذوي الضمائر الميتة من الإعلاميين، ليدقوا إسفينا بين أبناء الخليج، وهؤلاء "اللاهثون" وراء الدولارات من أجل تفريق الأسرة الواحدة في الخليج. أبناء الخليج بلا استثناء بحاجة إلى صحوة تعالج الشرخ الخليجي، وترى الأمور على طبيعتها، لا أن تؤمن بكل ما يقذفه لها الإعلام.