14 سبتمبر 2025
تسجيلعندما يأخذ هذا المقال طريقه للنشر بحول الله سيكون كل من الشابين القطريين فهد البوعينين وطلال العمادي لا يزالان يواصلان تسلقهما لأعلى قمة في القارة الإفريقية (جبل كليمنجارو)، وعند اكتمال رحلتهما الاستكشافية المحفوفة بالمغامرات إن شاء الله سيكونان بذلك أول قطريين يحققان هذا الرقم القياسي، وأول من يقدّمان نموذجا مختلفا عما ألفته عوالم الرياضة وحب المغامرات في المنطقة أيضا. اعتدنا أن تستثمر المؤسسات الإنسانية الدولية بعض نجوم المجتمع وأصحاب الشهرة من فنانين وكتاب ورياضيين وغيرهم في حملاتها التوعوية، وتلك المخصصة لجمع التبرعات لصالح الحملات المخصصة لخدمة الفئات المحتاجة وسكان المناطق التي تعاني من الكوارث والحروب، تحت مسمى سفراء النوايا الحسنة، كما اعتدنا أن يخصص ريع بعض فعاليات رياضية وفنية لصالح العمل الإغاثي والخيري التنموي، ولكن هذه المبادة تعتبر متطورة تطورا نوعيا عما سبق لكونها تجمع بين توجيه الرياضة من جهة وتحطيم الأرقام القياسية وحب المغامرات من جهة أخرى لصالح العمل الإنساني، مع التركيز على الجانب التوعوي بمخاطر قادمة تستهدف الأمة وأمنها الغذائي، أكثر من جانب جمع التبرعات وتسويق المشاريع الخيرية، مع عدم التقليل من أهمية الجوانب الأخيرة. إن الرحلة الاستكشافية للبوعينين والعمادي لبلوغ قمة جبل كليمنجارو بتنسيق وإشراف من جمعية قطر الخيرية وتمويل من بنك بروة، والتي أريد منها لفت الأنظار إلى خطر المجاعة التي تلوح نذرها في الأفق بغرب إفريقيا، وبخاصة في دولة تشاد قد تبدو غير مألوفة لدى العاملين في المؤسسات الخيرية بالمنطقة العربية والخليج، وقد يتساءل البعض عن منطق الربط بين الرياضة وتحقيق أرقام قياسية من جهة وبين العمل الإنساني من جهة أخرى، ولكن التعمق في هذه المبادرة سيظهر حجم التقصير الكبير في عدم استثمار طاقات معطلة للشباب وإغفال أساليب مبتكرة وتسخيرهما لصالح العمل الخيري في بلادنا. لقد قدر لي أن أقترب قليلا من عالم هذه الرحلة وأن أتعرف على أحد بطليها، ولمست كم كان متأثرا لبعض صور المأساة التي شاهدها وعاينها عن كثب عندما زار النيجر قبل بدء رحلة التسلق للجبل مباشرة (كجزء من برنامج الرحلة لخدمة الجانب التوعوي)، وكم كانت حرقته كبيرة من أجل الإسهام من أعلى قمة بإفريقيا للفت أنظار المحسنين في قطر والخيرين في الدول العربية والإسلامية والعالم بأهمية التنبيه إلى الكارثة الوشيكة قبل انتشارها، والعمل على تطويقها وهي في بداياتها ومهدها، لأن النار الصغيرة قد يسهل إخمادها، ولكنه قد يصعب أو يتعذر السيطرة عليها،عندما تمتد ألسنة لهبها خارج محيطها الضيق. ستكون هذه المبادرة وأمثالها مهمة مفيدة، بما لها من انعكاسات إيجابية على الشباب وعلى العمل التطوعي والإنساني لاعتبارات كثيرة: ـ إطلاق العنان للتفكير الإبداعي في العمل الخيري لطرح أساليب مبتكرة للتوعية بقضايا العمل الإنساني إغاثيا وتنمويا، وتسويق وخدمة مشروعاته، وتجاوز الطرق والنماذج التقليدية ذات التأثير المحدود، والتي تم استهلاكها لكثرة الاستخدام. ـ استقطاب الشباب الخليجي والعربي للعمل التطوعي واستثمار طاقاتهم في هذا الجانب المهم، وبخاصة شريحة الرياضيين منهم والذين يتمتعون إضافة للوفرة في الوقت بطاقات التحمل والعزيمة والصبر والقدرات البدنية العالية، وهو ما يحتاجه العمل الميداني لاسيَّما في حالات الإغاثة والطوارئ، كنجدة الملهوفين وتقديم العون لهم، لذا لا غرابة أن يكون شعار هذه الرحلة التوعوية: "تحدٍ من أجل الحياة". ـ تقديم نموذج / نماذج للشباب تصلح للتأسي والاقتداء، خصوصا لشريحة شبابية تهوى المغامرات وتعشق الرياضة والكشافة والسفر والترحال، فبدلا من أن يصبح تحقيق أرقام قياسية جديدة أو تعريض النفس للمخاطر، أو التفرغ للرياضة والهيام بألعابها وبطولاتها هدفا بحد ذاته فإنه يتحول على أيديهم إلى وسيلة إلى أهداف أهم وأسمى ألا وهي إنقاذ حياة الناس وخدمة المحتاجين منهم، والإسهام في تغيير حياة المجتمعات إلى الأفضل والانشغال من ثَمَّ بقضايا الأمة الجوهرية. ومع قرب عودة الشابين الطامحين لبلوغ قمة "كليمنجاور" إلى دولتهم بعد إنجاز مهمتهم فإنني أتمنى أن تحظى هذه المبادرة وبطليها بالرعاية والاهتمام من عدة زوايا: ـ تسليط الضوء عليها إعلاميا وعلى آثارها المتوقعة من الصحافة والإذاعة والتلفزة عامة ومن الوسائل الإعلامية الرياضية بخاصة كقناة الجزيرة الرياضية والكأس. ـ تكريم بطلي المبادرة من قبل الجهات الشبابية والرياضية الرسمية ومن قبل منظمات المجتمع المدني (التطوعية والخيرية) وبخاصة إذا تمكنا من تحقيق حلمهما وإيصال رسالتهما الخيّرة للعالم. ـ أهمية تبني القطاع الخاص لرعاية وتمويل مزيد من هذه المبادرات التي تخدم أطرافا مختلفة في المجتمع المحلي، فضلا عن خدمة قضايا الأمة بأسرها والتخفيف من معاناة المتضررين من الكوارث والأزمات. كما أتمنى للبطلين البوعينين والعمادي تحقيق ما يصبوان إليه من إنجازات رقمية قياسية، ومن أهداف إنسانية نبيلة تقر عيناهما بها، والسلامة والعود الحميد بإذن الله.