20 سبتمبر 2025
تسجيلالصدمات النفسية التي يواجهها الصحفي والإعلامي الذي يغطي كوارث وحروباً، ربما لا تكون مرئية ومباشرة في كثير من الأحيان، وإنما مخفية وطويلة الأمد، ولعلها لا تبرز للعيان مباشرة، ولعل الصحفي والإعلامي قد يكابر بنفي وجودها، ولذا فقد أقرّت كثير من المؤسسات الإعلامية العريقة مبدأ ألاّ يغطي الصحفي والإعلامي أكثر من أسبوعين لهكذا أحداث، ولكن مع هذا لا يخلو الأمر من وجود صدمات، لكونه يقف على قصص وحكايات وسرديات تشيب لها الأبدان، ولعل ما واجهناه خلال الأيام الماضية من معايشة حدث زلزال شمال سوريا وجنوب تركيا، جزءٌ من هذه الصدمات. تصل إلى سرمدا فترى انهيار العمارات والبنايات، وترى الناس هائمة على وجوهها، تتعمق أكثر باتجاه حزانو وإدلب فترى الخيام البالية للمشردين الذين لا تبعد بيوتهم وأراضيهم كيلومترات عن مناطقهم، ولكن لا سبيل للعودة إليها، تتابع سيرك إلى ريف إدلب الغربي فتجد الدمار الرهيب في منطقة بسنيا حيث قضى هنا المئات تحت أنقاض بيوتهم، هنا شاب يبحث في أنقاض منزله عن ذكريات، وبقايا ضحايا عائلته لعله يدفنها، فيلجأ إليها للدعاء والتذكر في قابل الأيام، وهناك عجوز مشدوهة، مهمومة ما فتئت تردد لا حول ولا قوة إلا بالله، ووسط هذه الأنقاض ترى رجال الإنقاذ وهم يسارعون الزمن لعلهم يجدون ناجين، في ظل تأخر المنظمة الدولية عن توفير المعدات والدعم اللازم لهكذا حالات. نتعمق أكثر باتجاه الغرب المحاذي لتركيا فنلقى مجازر في منطقة سلقين وعزمارين حيث المئات قضوا، وعشرات الآلاف قد تشردوا بفعل الزلزال المدمر، وهو تشرد على تشرد، وثمة بيوت أكثر مما تهدم، فلم تعد صالحة للاستخدام، خصوصاً وأن كثيراً من البيوت متصدعة بالأصل نتيجة القصف الجوي والصاروخي الذي تعرضت له خلال السنوات الماضية، وفي ظل ضيق جغرافية الشمال المنكوب المبنية فإن البيوت غدت شحيحة وقليلة على ساكني المنطقة الذين يصل تعدادهم الخمسة ملايين نسمة. الكل هنا يفكر في مرحلة الإعمار، أما السلال الغذائية والخيام فهي لم تعد على سلم رغباته، ولذا فقد أطلقت بعض المنظمات والتجمعات حملة لإعادة الإعمار، الأمر الذي قد يساعد في تحريك عجلة اقتصاد هي بالأصل متوقفة، ولكن بالفتات القادم لإعادة الإعمار قد يُبقي على من تبقى على قيد الحياة، عائشاً وحياً. نغادر إلى منطقة الأتارب في ريف حلب، لنجد الدمار لا يقل عن تلك المنطقة حيث المئات من العائلات ماتت تحت الخراب والدمار، والآلاف من العائلات غادرت بيوتها على عجل لتتوجه إلى مخيمات بنيت على عجل، يتدفق عليك المساكين المشردون الجدد، ظانين أن كل غريب عنهم أتى بالمساعدة والغوث لهم، ويفرحون بالتأكيد لوصول الصحفيين والإعلاميين الذين يرونهم نافذتهم إلى العالم الخارجي، أما حين تقترب من جنديرس فترى الكارثة بكل تجلياتها وصورها، حيث بدا الخراب في الأسواق الرئيسية والشوارع الأساسية، ولا تزال فرق الإنقاذ تزيل الركام، بينما الناس لا تزال تنتظر فرق الإنقاذ لعلها تعثر على بقايا أعضاء حبيب تدفنه بالقرب منها. الزلزال في شمال سوريا الذي لم يمرّ كمثله منذ 1138، ذكرني بزلزال باكستان الذي غطيته عام 2005 حيث كانت شدّته وقوته بنفس درجة زلزال شمال سوريا، وأودى حينها بحياة 80 ألف شخص، لكن تبقى الصورة أن سوريا ما بعد الزلزال لن تكون كما هي قبله، وهو أمر بحاجة إلى دراسات وأبحاث وورش عمل لتلمس تلك الصورة الجديدة البارزة من تحت الركام والخراب.