11 سبتمبر 2025

تسجيل

الجبير يحرج السعودية!

21 فبراير 2018

وزير الخارجية السعودي يضع بلاده في موقف محرج أمام الرأي العام رفض الانضمام لمنظومة أمنية يعني أن السعودية تدعم الفوضى في المنطقة نريد من السعودية أن تعلن أسبابها الحقيقية في عدم اهتمامها بالمبادرة القطرية؟ هل السعودية تريد أن تقول إنها المستفيد الأكبر من الفوضى في المنطقة؟ قطر أعلنت بصورة عملية أنها جادة في مكافحة التطرف والإرهاب وتدعم استقرار المنطقة.. فماذا قدمت السعودية؟! كلام الجبير عن منظومة مجلس التعاون الذي تحول إلى "دكان" سعودي يثير الضحك والسخرية عندما أطلق حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى،  دعوته مطلع هذا الأسبوع في مدينة ميونيخ الألمانية لاتفاق أمني في المنطقة، فإنه كان متيقنا من أن هذا حل جذري للمشاكل التي تعصف بمنطقة تربطها اللغة والدين قبل الجغرافيا، وكان سمو الأمير جاداً في البحث عن حلول للمشاكل المستعصية والمتفاقمة مثل الإرهاب، ويأس الشباب، والفشل في تلبية احتياجات الشعوب ودور ذلك في عرقلة الإصلاح السلمي والتنمية وتحقيق الرخاء والازدهار. سمو الأمير أكد أن نموذج الاتحاد الأوروبي حقق الازدهار لأعضائه ونجح في تحقيق الحد المعقول للتعايش السلمي بين شعوبه، وجنبهم ويلات التشرذم وحماهم من الصراعات في أعقاب حروب طاحنة مزقت القارة الأوروبية في وقت من الأوقات. بالأمس خرج علينا الوزير السعودي عادل الجبير ليعلن أن بلاده "غير مهتمة" بالمشاركة في تحالف أمني إقليمي على غرار الاتحاد الأوروبي مثلما اقترحت قطر!، وتابع الجبير: لدينا بالفعل "هيكل قائم" في إشارة إلى مجلس التعاون الخليجي!.. في الحقيقة فإن تصريح الجبير يخلو تماماً من الدبلوماسية وبعد النظر فهو قد وضع السعودية في موقف محرج أمام الرأي العام العالمي برفضها التعاون في التحالف الأمني الذي يهدف لتهدئة الفوضى في المنطقة ونزع فتيل الأزمات التي تطول الآن معظم الدول، وهو بهذا التصريح أثار تساؤلات عن أسباب رفض السعودية للاتفاقية، فدولة قطر حددت أسبابها لإنشاء مثل هذه الاتفاقية التي تهدف إلى أن تلتزم دول المنطقة بالتعاون الأمني وتبادل المعلومات وإعداد خطة موحدة لحماية أمن الدول، وعندما تقدم قطر مثل هذه المبادرة فإنها تعلن وبصورة عملية بانها مكافح كبير ضد الظلم وسوء العدالة الاجتماعية والتطرف والإرهاب، واحتوت كلمة سمو الأمير على النقاط الضرورية التي تمكن المنطقة في أن تبدأ بصورة حقيقية وعملية في مكافحة ما يزعزع الأمن ويضمن استتباب الاستقرار في منطقة مهددة أصلاً بالمزيد من الفوضى وانفلات الأمن وزيادة رغبة الشباب في التطرف، نظراً ليأسهم الشديد من حكوماتهم. ولكن ما هي أسباب السعودية في الرفض؟ هل هي بهذا تقدم نفسها بأنها تريد استمرار الفوضى وانعدام الأمن في المنطقة؟ هل هي تقر بأنها المستفيد الأول من ازدياد تطرف الشباب وانخراط المزيد منهم في الجماعات الإرهابية؟ هل تعتقد أن الرأي العام العالمي سيستمر في تصديق كذب الجبير في أن أزمتهم مع قطر هي بسبب دعم الدوحة للتطرف كما يزعمون؟ يبدو أن السعودية لم تحسبها جيداً — كعادتها — وآثرت التسرع والاستعجال الذي أصبح سمة تميز السعودية، وسارعت في إبداء رأيها في دعوة قطر دون أن تحسب العواقب ودون أن تقدم الأسباب، وربما ما سيزيد حنق الرأي العام ضد رفض السعودية هو ما قام الجبير بتبريره بوجود هيكل قائم يسمى "مجلس التعاون الخليجي"!.. وفات على الجبير أن يفهم أن الرأي العام سواء الخليجي أو العربي أو العالمي يعلم تماماً أن مجلس التعاون الخليجي بات في العناية المركزة بسبب تصرفات السعودية وتوابعها، حيث حولوا هذا الكيان إلى دكان لبيع بضاعتهم ومن يدفع الثمن هو المواطن الخليجي المغلوب على أمره، وعلى الرغم من إعلان قطر مراراً وتكراراً حرصها على استمرار منظومة مجلس التعاون على ضعفها وما تعانيه من مشاكل إلا أن السعودية وأبوظبي تصران على هدمها وما يترتب على ذلك من فوضى وعدم استقرار. وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر كتب مقالاً مهماً في صحيفة "وول ستريت جورنال" الصادرة في 16/10/2015 بعنوان "السبيل لتجنب انهيار الشرق الأوسط" ويرى كيسنجر أن هذه المنطقة مشتعلة بسبب ما فيها من طائفية ومذهبية واستبداد وإرهاب، وأن احتمالات نشوب حرب مرتفعة جداً، ويقول في هذا الصدد: "إن طبول هذه الحرب تدق، ومن لم يسمعها فهو أصم"، ويضيف: "إذا سارت الأمور كما ينبغي — من وجهة نظره — فسوف تسيطر إسرائيل على نصف منطقة الشرق الأوسط". إذا ما طبقنا كلام الوزير الأمريكي الأسبق فإننا نجد أن السعودية تنفذ أجندة مشابهة تهدف لمزيد من الفوضى وزعزعة الاستقرار وتخدم أهداف إسرائيل، لذلك لا استغرب سرعة رفض السعودية لمبادرة قطر، فدور الرياض في بلورة صفقة القرن يقتضي منها أن تدعم التطرف والإرهاب لتعطي شرعية للآخرين لمهاجمة المنطقة والعبث بمقدراتها. لم يكن الجبير موفقاً كعادته، ولم يفده التسرع، وهو بهذا التصريح يكرس الصورة النمطية التي عُرفت بها السعودية عند الرأي العام العالمي ويختصرها بأنها: بئر عميقة من النفط والتطرف والارهاب. كنت أتمنى أنا وغيري أن تتخلص الرياض من كونها جزءاً من المشكلة إلى أن تصبح جزءاً من الحل إلا أنها لا تزال ترفض هذا الدور القيادي، ليس هذا وحسب بل لا تريد أن يلعبه أحد. أذكّر الجبير أخيراً بأن منظومة الاتحاد الأوروبي لم تقطع العلاقات السياسية والدبلوماسية ولم تحاصر بريطانيا عندما رغبت في الخروج من الاتحاد، بل على العكس من ذلك أكدت بريطانيا في أكثر من مناسبة أنها ملتزمة بالاتفاقية الأمنية الأوروبية ولن تخرج منها،  لأنها تعلم أن أمنها من أمن منطقتها.. ليت السعودية تعود إلى رشدها وأن تعلم أن الأمن ليس ألعوبة وانها هي أول من ستتضرر من مغامراتها المجنونة في المنطقة.