13 سبتمبر 2025

تسجيل

الطبقة الوسطى والتحديات الراهنة

21 فبراير 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); مع التراجع الكبير في الإيرادات النفطية وما استتبعه من تأثيرات سليبة بالغة على أسواق المال والعقارات، تثار تساؤلات حول التحديات التي تواجهها الطبقة الوسطى الخليجية في الوقت الراهن، كون هذه الطبقة تمتاز في الغالب باعتمادها على مصادر دخلها من توظيف فائض أموالها في الغالب إما في العقارات أو الأسهم، حيث تبين بعض الإحصاءات أن ثروات الطبقة الوسطى في بعض دول المنطقة قائمة على مثل هذه الأنشطة المضاربية وتعتمد بنحو النصف عليها.وتظهر دراسات للبنك الدولي أن الطبقة الوسطى الخليجية تتراوح ما بين 20 – 30% وذلك بالمقارنة مع 45% في الولايات المتحدة و55% في الهند والصين وفقا لمقياس دخل الفرد بالمقارنة مع نصيب الفرد من الدخل القومي. كما تستخدم الدراسات بعض المؤشرات الاجتماعية للطبقة الوسطى الخليجية. ووفقا لمقياس التعليم، تبلغ نسبة المتعلمين الحاصلين على درجة البكالوريوس فأعلى 51% في قطر ثم الكويت 42% ثم سلطنة عمان 35% ثم البحرين 33% ثم السعودية 31% ثم الإمارات 15%. أما وفقا لمقياس العاملين في وظائف مهنية وعلمية وإشرافية، تتصدر قطر بنسبة 57% تليها الكويت 42% السعودية 41% ثم سلطنة عمان 38% ثم الإمارات 37% ثم البحرين 21%. ويكاد المشهد اليوم يكون تكرارا للمشهد الذي رأيناه عام 2008، حيث إن الأرصدة المالية التي تكونت لدى الأفراد والعائلات في فترة الازدهار الاقتصادي طوال السنوات السابقة للعام ما قبل الأزمة العالمية توجهت إلى قطاعات الاستثمارات في الأسهم والإنشاء والتعمير وأحدثت دفعة قوية ،وذلك ما أدّى إلى صعود قيمة الأسهم والإيجارات والأراضي بصورة مبالغ فيها ما أدّى إلى ارتفاع أسعار جميع السلع والمواد. وقد أدى ذلك إلى بروز طبقة وسطى كبيرة تمتلك أصولا مضخمة في أسعارها بشكل كبير.إلا أن نشوب الأزمة المالية وانهيار أسعار الأسهم والعقارات أدى إلى تبخر جزء كبير ليس من تلك الثروات فحسب، بل ما تم بناؤه خلال ثلاثين سنة بشكل تراكمي، وأحدث فجوة كبيرة جديدة بدليل أنّ فئات واسعة من المواطنين المحسوبين على الطبقة الوسطى لا يستطيعون اليوم شراء أرض لبناء منزل لهم. فكثير منهم يقومون الآنَ ببناء شقق لهم في منازل آبائهم وبذلك توجه المجتمع مرة أخرى إلى العائلة الممتدة التي تضم الجد والأبناء والأحفاد في منزل واحد. ووسط هذا الواقع ترى دراسة لمؤسسة الخليج للاستثمار أن غياب بلورة دور واضح للطبقات الوسطى في الاقتصاديات الخليجية أسهم مع عوامل أخرى في عدم استغلال الموارد البشرية والرأسمالية إلى الحد الأقصى، وانخفاض معدل الإنتاجية، وعدم القدرة على تقليل الاعتماد على النفط وإنشاء هياكل اقتصادية أكثر تنوعا. كما أن ضعف الطلب على اليد العاملة في القطاع العام قد يكون من أسباب أفول الطبقة المتوسطة، حيث يتم حاليا خلق معظم فرص العمل لدى القطاع الخاص، خاصة في القطاعات الخدمية.ويتضح من ذلك أن الحفاظ على أوضاع الطبقة الوسطى ورعايتها وتنميتها هو تحد تنموي بالدرجة الأولى. لذلك، فإن المطلوب هو إيجاد حلول طويلة الأجل لتنمية الطبقة الوسطى في دول المجلس تعتمد بدورها على تطوير نموذج التنمية الراهن من خلال تنويع مصادر الدخل، وإدخال أنشطة أكثر إنتاجية وذات قيمة مضافة حقيقية للأفراد العاملين، وليس فقط لمالكي هذه الأنشطة. ومن شأن هذه الأنشطة توفير وضع اقتصادي مستقر للطبقة الوسطى وتقليل اعتمادها على الأنشطة المضاربية لتحسين أوضاعها. كما أن هناك حاجة لوضع خطط طويلة الأجل لتعزيز أوضاع الطبقة الوسطى تتبنى هذا الهدف الاستراتيجي وتضع الوسائل المناسبة وترصد الموارد المالية والبشرية للقضاء على الفقر المعيشي. إن ضمان نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب وجود شراكة فعلية بين الدولة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني بقصد تضافر الجهود لرفع إنتاجية الأداء في مجالات التوظيف والتدريب والتعليم والرعاية الصحية والاستثمار. ويرتبط نمو الطبقة الوسطى بتحقيق استقرار في الحالة الاقتصادية، وتحقيق مواءمة بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية. فالحل لا يكمن في التراجع عن النمو الاقتصادي المتسارع عند ارتفاع مداخيل النفط، وما يرافقه من زيادة في أسعار كلف المعيشة والسكن وغيرها، بقدر ما يعني ضرورة تحقيق نمو اجتماعي يتكافأ مع ذلك التسارع في المجال الاقتصادي بل ويفوقه ويسبقه. وهذا يتطلب بدوره وجود أنظمة للحماية الاجتماعية والضرائبية من شأنها التقريب بين الطبقات الاجتماعية وتسهم في إعادة توزيع الثروة. كما أن خلق شراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص بما يسمح بتنمية الدور القطاع الخاص في التنمية، وتوسيع مساحة استثماراته الوطنية والخليجية هي جميعها سبل لدعم وتعزيز أوضاع الطبقة الوسطى.