26 أكتوبر 2025

تسجيل

كي لا تتفوق علينا الدجاجة

21 فبراير 2012

عندما كنت صغيرة كنت أمتلك مجموعة كبيرة من قصص الأطفال، وكان من أحبها الى نفسى وما زلت أتذكر صفحاتها وصورها، هى قصة الدجاجة وحبة القمح، عندما وجدت الدجاجة حبة قمح فقررت ألا تأكلها، وأن تقوم مع أفراخها بزراعتها، لتصنع منها خبزا لعائلتها، وكلما طلبت من الديك والبطة مشاركتها فى العمل، فى زراعتها وسقيها ثم حصادها وطحنها، كانا يرفضان المساعدة ويتعللان بالتعب والانشغال، الى أن وصلت الى المرحلة التى تطلب فيها منهما المشاركة فى خبزها، الا أنهما رفضا ذلك أيضا، وبعد ذلك تأتى لحظة الاستمتاع، فكنت استمتع كلما تصفحت هذه القصة وأنا صغيرة بالنهاية العادلة فى الصفحة الأخيرة، حين تفوح رائحة الخبز الطازج، بينما يقف الديك وزوجته ينظران من النافذة الى الدجاجة وأفراخها وهم يستمتعون بحصادهم، ويعرضان المشاركة فى التذوق فترفض الدجاجة ذلك وتذكرهما بما مضى. وترمى هذه القصة بالتأكيد الى أهمية المشاركة، وان من لا يعمل ولا يشارك لا يستحق أن يحصد. انها الشكل المثالى للحصاد. لكن لماذا هناك اليوم الكثير ممن لا يشارك فى أى شيء، وهو من يحصد كل شيء؟ ومن هو المسؤول عن ذلك؟. تذكرت هذه القصة وابتسمت حين قرأت ذات مرة قصة لأحد الرجال الذى اشتكى وقال عن نفسه بأن كالدجاجة التى تزرع وترفض أن يحصد معها من لا يشاركها أفضل منه،! وانه يعيش حياة قاسية من العمل المتواصل المضنى، ومر به العمر بينما من يستمتع بحصاد كل شيء هى زوجته التى لا تشاركه فى أى شيء، فالخادمة والمربية هما من تقومان بكل أعمال المنزل حتى السهر على تربية الأبناء، بينما تحصد زوجته كل ماله مع نهاية كل شهر لنفسها فقط، دون حتى أن تشاركه وترفع من معنوياته بكلمة شكر وعرفان، فهى لا تقدم أى شيء سوى أن تقول له هل من مزيد. وتذكرت أيضا بمقابل ذلك سيدة عرفتها، كانت تأخذ ذلك الدور فى العمل المضنى خارج البيت صباحا، أما بعد عودتها فتعيش أشغالا شاقة لا تنتهي، ولا تعرف للراحة من سبيل، رأيتها حقا تقضى أياما من حياتها شبه نائمة من فرط التعب، أما زوجها فلا يشاركها فى أى شيء، الا انه من يحصد كل شيء فى النهاية، بينما تظل هى فى دوامتها تطحن نفسها ليستمتع هو بموسم الحصاد ويجنى كل شيء. حقا ان ما تعلمنا من قصص مثالية كى نطبقها فى حياتنا يعد شيئا، والواقع الذى نعيشه شيئا آخر، والسبب هو فهمنا الخاطئ للمشاركة وللعطاء ولحدودهما، فقد شاركنا بأنفسنا فى ترسيخ الأنانية وتغذيتها لدى البعض، وجعلناهم يستمتعون بها على حساب سعادتنا. لو أننا لا نقبل ان يحصد معنا الا من يشاركنا لتغيرت حياتنا كثيرا، ولو أننا لا نجعل الآخر يحصد من روحنا فرحا، دون أن يشاركنا الاما وشجونا، لكنا راضين أكثر ومستمتعين أكثر، ولما شعرنا بكل مشاكل الحياة وكآبتها تسيطر علينا وتحكمنا بارادتنا فى كل شيء، فى مشاعرنا، فى حياتنا مع شركائنا، وفى علاقاتنا مع الغير. وكى لا تتفوق علينا الدجاجة.. من يشارك معنا هو من يحصد معنا، ومن يرفض مشاركتنا، هو من تملأ رأسه رائحة الخبز الطازج، ولا يتذوقه..انها النهاية العادلة. [email protected]