18 سبتمبر 2025

تسجيل

المثقف بين المبدأ والغنيمة

21 يناير 2020

من الصعب على العربي أن يثبت أن موقفه تجاه أي قضية في بلده موقف "مبدئي" أي يقوم على الإيمان بالمبدأ وليس على أي شيء آخر، ومن السهل جداً أن يقال له إنه لو أصاب شيئاً من الغنيمة لتغير موقفه ولربما انقلب رأساً على عقب. وحدة الموقف من العقيدة لدى البعض وليس الكل يمكن أن تكون استثناء. تاريخنا العربي هو تاريخ" الغنيمة" بامتياز، وتاريخ الولاءات بدرجة مماثلة؛ لذلك يضرب المثل بالمعارضة العربية عندما يأتي الحديث عن الظرف والانتهازية لا عن الأجندة والمبدأ. الموالاة والمعارضة في عالمنا العربي لعبة كراسي موسيقية، كل فقرة تنتهي يتغير فيها الكرسي وصاحبه من موقع إلى آخر؛ لذلك كثير مما يثار في الصحف والمجلات، وكثير مما يكتب لا يخرج تقييمه عن ذلك، لو أصابه شيء من الغنيمة لانتقل إلى الضفة الأخرى، لا يستطيع حتى الصادق إثبات غير ذلك لأنه لم يتعرض للاختبار بعد. قل لي كم وزيراً رفض الوزارة والمنصب رغم انتقاده للسياسات وتوجهها. فقط في الكويت ترفض الوزارة الفوز بكرسي البرلمان مما يعني غنيمة أكبر. الموقف المبدئي يحتاج إلى بنية تحتية مختلفة تماماً غير متوفرة في عالمنا العربي. ما يفعله العربي هو أداؤه للدور لا أكثر ومهما كانت درجة تقمصه لهذا الدور يظل الخروج منه سهلاً وميسراً. العربي صاحب مبدأ من السلطة حتى تلوح له أو تغريه الغنيمة التي يقوم عليها عقله السياسي، كما ذكر الجابري -رحمه الله -. المبدأ من السلطة ليس هو بالضرورة المبدأ من الحياة. تاريخنا شاهد على اعتذاريات مثقفينا وتراجعهم وانخراطهم وعودتهم وتنكرهم لما قاموا به والعود أحمد وحتى لو لم يتغير السبب أو يزل ولكن ظروفهم تغيرت؛ إما سلباً وأحيانا كثيرة إيجاباً. لذلك لا تعبأ العقلية العربية وحتى ونحن في عصر ثورة الاتصالات وسرعة وسائل النقل بما يكتب وتعبأ به الصحف والمنتديات ؛ لأنها تدرك حسب تجربتها الطويلة التاريخية التي عاشتها أو قرأتها تاريخاً أن القضية قضية نصيب من الغنيمة لم يتحصل بعد، ولا تكترث السلطة كذلك به لأنها تملك الجزرة وتستعملها حين ومتى تشاء. ربما هناك استثناءات عبر التاريخ بسيطة جداً لا تكاد تذكر في ثنائية الفرد والسلطة بالذات. لست ممن يؤمن بالحتميات ولكن الخروج منها يتطلب حفراً تاريخياً وخروجاً عن المرجعية التاريخية التي تؤبدها. هل يعذر العربي عندما يكون موقفه زئبقياً حسب ترائي الغنيمة له ؟ ألم يكن متماشياً مع تاريخه الذي يقرؤه ماضياً، ويعيشه ويصنعه معهم حاضراً؟ وهل يلام من ينتقد مثقفي هذا العصر بأنهم وقتيون وحسب مصالحهم ؟ جميعنا ينتقد من أجل الصالح العام، الكل يقول ذلك ولكن ماذا إذا انتفى تقابل الصالح العام مع الصالح الخاص، أو ماذا لو ضحكت لك السلطة يوماً، هل تقوى على مقاومة أسنانها الذهبية أم أنك خارج التاريخ العربي.. هذا هو السؤال؟. [email protected]