19 سبتمبر 2025

تسجيل

الإخوان وابن سعود

21 يناير 2018

وردتني عدة استفسارات عن: أولاً: هل هناك علاقة بين إخوان من أطاع الله والإخوان المسلمين. ثانياً: بأية طريقة سيطر ابن سعود على الإخوان. ورغبة مني في ألا  أدع أي غموض يكتنف عما أكتبه فقد قمت بإرجاء الكتابة عن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (ابن سعود) وحربه مع المملكة المتوكلية اليمنية وكذلك ما جرى منه في الحرب العالمية الثانية، وكيف تنازل ابن سعود عن فلسطين لليهود "المساكين"، وكيف خدعت السعودية المجاهدين والدول العربية والإسلامية في حرب 1948. أولاً: لا توجد علاقة بين إخوان السعودية وإخوان مصر. فإخوان السعودية أنشأها ابن سعود، في 1911، من خلال إنشاء قرى لتوطين أهل البادية. وكان هدف ابن سعود من تكوين هذه القرى هو: 1. إنشاء خط دفاع أول يحيط بمدينة الرياض يعج بالمحاربين ليمنعوا وصول أعدائه إلى الرياض حتى لا يتكرر ما حدث للدرعية من دمار وخراب.  2. توسيع حدود إمارته التي كانت مقتصرة على مدينة الرياض لتشمل مناطق أخرى.  ولتحقيق هذه الأهداف فقد قام ابن سعود بتعيين "مطاوعة"، تم إعدادهم في الرياض، ليقوموا بتعليم سكان هذه القرى التعليم الديني الموجه لإطاعة ولي الأمر كأنه جزء أساسي من طاعة الله. وعقد معهم تحالفا بان تكون الطاعة له وليس للقبيلة. وتحقق له ذلك بخلق جيل محارب عنيف، ذي فكر تكفيري متطرف يرى أن جميع الناس، حتى لو كانوا من أقربائهم، هم كفار يجب محاربتهم حباً في الله ونشر دعوته. وعندما انتهت مهمتهم التي رسمها ابن سعود لمصلحة نفسه قام بالقضاء عليهم وتشتيت شملهم. وكانت نهايتهم في 1930. وهذا يعني أن إخوان السعودية بدأوا في السعودية وانتهوا في السعودية. أما الإخوان المسلمين فقد تم تأسيس حركتهم كحركة معارضة سياسية تسعى للإصلاح، في 1928 بالإسكندرية، من قبل حسن البنا. وجماعة الإخوان المسلمين من أوضح الحركات الإسلامية منهجاً وفكراً، وأكثرها اعتدالاً ويسراً، فهم لا يكفرون أي شخص نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاها. ولكن مشكلة حركة الإخوان المسلمين بدأت عندما انتقلت حركتهم من الإسكندرية إلى القاهرة. حيث تفرع منها عدة فروع، وصل بعض هذه الفروع إلى حمل الفكر التكفيري الجهادي الذي صاحب نشأة إخوان السعودية. ومع ذلك لم تكفر هذه الجماعات المتطرفة المسلمين الأفراد، بل كفروا الأنظمة الحاكمة ومن ينتمي إليها. ومن هنا حدث الصراع بين الحركة والأنظمة الحاكمة وظهر ذلك واضحاً في أول الأمر من علاقة مصر جمال عبدالناصر والإخوان. إن العنف الذي قوبلت به هذه الحركة من رئيس مصر جعلها تنتشر في أكثر من 72 دولة حول العالم. ثانياً: سيطرة ابن سعود على الإخوان: عندما استوطن أهل البادية القرى بدأوا يتعرفون على الدين الإسلامي من "المطاوعة"، وشعروا بانهم انتقلوا من عصر الجاهلية إلى العصر الإسلامي الحقيقي. استغل ابن سعود هذا التوجه وبدأ بالتقرب منهم لحمايته، ولتأسيس دولته، والقضاء على من سيعارضه. فلهذا أظهر لهم التوحيد والإسلام والبراءة من الشرك وأهله، وطلب منهم نصرته على ابن رشيد الموالين للمشركين من جند مصر الذين خربوا الدرعية. فبايعه المتدينون الجدد على نصرة الدين، والجهاد في سبيل الله، والبراءة من المشركين. وحتى يضمن ولاءهم له قام بمدهم بالنقود والحبوب، وقام بتزويد المحاربين بالسلاح والذخيرة. وقام "المطاوعة"، بتوجيه من ابن سعود، بتحبيب الإخوان على القتال ومن ثم الحصول على"الغنائم من المشركين". ولتحقيق ذلك فقد قام "المطاوعة" بتشجيع الإخوان، باسم تجديد الدين، على تكفير كل أهل شبه الجزيرة وغيرها، حتى ولو كانوا من أقربائهم، ويجب البراءة منهم، وجهادهم. قام الإخوان، بهذا التوجه التكفيري، بإرتكاب المجازر والتفنن فيها، مما جعل سمعتهم تثير الرعب في كل مكان بشبه الجزيرة العربية، الأمر الذي قوى من القدرة الحربية لابن سعود. وأحاط ابن سعود نفسه بمجموعة من رجال الدين (غالبيتهم من أحفاد محمد بن عبدالوهاب)، وأغدق عليهم الأموال، واقتطع لهم الأراضي، وكانوا شرهين للحصول على المزيد من المنافع المختلفة، وبدورهم لم يبخلوا على ابن سعود بالعديد من الفتاوى التي تضفي الصفة الشرعية على ما يقوم به من أعمال إجرامية. وكان الإخوان يثقون في فتاوى علماء ابن سعود ثقة مطلقة ولا يخالفونهم. واستمرت الأمور على ما يحب الجميع فالرياض توسعت حتى أصبحت مملكة نجد ومن ثم مملكة نجد والحجاز، وعلماء السلطان ارتفعت مكانتهم وزاد ثراؤهم، والإخوان أو "المسلمون الجدد" زاد حماسهم للجهاد في سبيل الله لنشر دينه، وبدوره زادت غنائمهم من أهل "الشرك". وبدأ أول صدام بين ابن سعود والإخوان عندما بدأوا في الاعتراض على بعض تصرفات ابن سعود، منها مجالسته لأهل الشرك (الإنجليز)، وأخذه معونات شهرية منهم. وحتى لا يفقد ابن سعود ولاءهم قام بإجبار الإنجليز، في البداية، بلبس ما يلبسه عموم الناس، أما المعونات الشهرية فقد ادعى أنها جزية كالتي كان يدفعها المسيحيون للخلفاء الأوائل. ولكن الصدام الحقيقي بين ابن سعود والإخوان أتى بعد استيلاء ابن سعود على الحجاز. فعندما وصل الإخوان إلى جدة طلبوا من ابن سعود حرق التبغ الموجود في ميناء جدة، ولكن تجار جدة أقنعوا ابن سعود، المحب لجمع المال، ألا يفعل ذلك لأنه سيخسر أموالاً طائلة من الرسوم المفروضة على التبغ، فما كان منه إلا أن طلب من العلماء فتوى تقول "ان الدخان مكروه ولكنه ليس من الكبائر" وبصدور هذه الفتوى سكت الإخوان. الصدام الثاني عندما وصلوا إلى المدينة حيث عارض ابن سعود نبش وهدم قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما. وصدرت فتوى أن الرسول الكريم وصاحبيه لم يدفنوا بالمسجد ولكنهم دفنوا في بيت رسولنا الكريم مستشهدين بقوله صلى الله عليه وسلم "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة". وحدثت الطامة الكبرى بين ابن سعود والإخوان عندما وقع ابن سعود، في عام 1927، اتفاقية جدة مع الإنجليز حيث رأى الإخوان أن هذه الاتفاقية تمنعهم من الجهاد ومن ثم تمنعهم من نشر دين الله في مناطق "المشركين". وتوضح هذه الاتفاقية بأن ولاء ابن سعود أصبح لليهود والنصارى. وعلى إثر ذلك اجتمع زعماء الإخوان وقرروا نقض بيعتهم لابن سعود، ومواصلة الجهاد في سبيل الله. شعر ابن سعود بان الإخوان، بهذا الموقف، خرجوا عن طاعته، ولهذا لابد من القضاء عليهم قبل أن يقضوا عليه. ومرة أخرى تدخل أصحاب الإفتاء فأعلنوا بان الإخوان، وخاصة زعماءهم، هم من "الخوارج" الذين خرجوا على طاعة ولي أمرهم، فيجب قتالهم.  وبناءً عليه قام ابن سعود بالإعلان بأن من يقاتل "الخوارج" معه فله ثلاثة جنيهات نقداً. وبسبب الثلاثة جنيهات تجمع لديه عدد كبير من المقاتلين، ومن ثم حاصروا الإخوان وقضوا عليهم في موقعة السبلة. وفي الختام نقول إن ابن سعود استطاع السيطرة على الإخوان بواسطة استخدام الدين الإسلامي، وتحوير معانيه السامية، لما يخدم مصالحه. ولقد ساهمت فتاوى المخلصين له من علماء الدين، ومن "المطاوعة"، في هذه السيطرة. ولأن المسلمين الجدد كانوا صادقي العقيدة، ويبتغون نشر الدين، فلذلك عندما أمرهم ابن سعود بالتوقف عن جهاد من يسمونهم بالمشركين من حلفاء وأصدقاء بريطانيا في العراق والكويت والاردن خرجوا على طاعته وتقاتلوا معه. والله من وراء القصد،،