17 سبتمبر 2025
تسجيلنحن اليوم في عصر العولمة بكل ما تعنيه الكلمة من معان على اختلاف مفاهيمها السياسية والاجتماعية، ولعل الأثر الأكثر خطورة لهذه العولمة هو ذوبان الهويات المختلفة في هوية واحدة، بحيث تصبح الثقافات والأفكار والمعتقدات موحدة لمصلحة الجانب الأكثر قوة وأموالا.والأدب عنصر من عناصر الحياة الفعالة، يتأثر بكل ما هو سائد في المجتمع، تقدماً وتخلفاً، فهو يسير بعلاقة طردية مع الظروف المحيطة، سواء أكان هذا الأدب مكتوباً أم مسموعاً أو مقروءا، فهو يؤثر في شخصية الإنسان ويغير من سلوكه بطرق مباشرة أو غير مباشرة، وما يبث الآن في وسائل الإعلام ما هو إلا تطبيق لرؤى العولميين في إحداث تغيير لثقافات الشعوب النامية والضعيفة وجعلها تابعة لثقافاتها المبهرة القوية. ولعل أكثر هذه التبعية شيوعا هو انسياق الشباب والأطفال إلى الأدب العربي المتمثل في الأفلام والقصص التي تحمل الأفكار العربية والتي يؤثر عليها الأخلاقيات والقيم التي تتوافق مع مبادئ الأخلاق والقيم العربية المسلمة. فغالباً ما يصور الأدب العربي بطل القصص بأنه بشر خارق للعادة ويأتي بأعمال تخالف الطبيعة البشرية فهو يطير ويعبر ويحارب ويغلب أفرادا كثيرين بقوته الجبارة. وهذا بالطبع يجذب الأطفال ويجعل خيالهم يجري وراء هؤلاء الأبطال. واليوم نجد كل أطفالنا مولعين (بسوبرمان) وننجا..... ولو سألنا أحدا من الأطفال عن حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أبي بكر أو عمر، أو عثمان، أو علي بن أبي طالب، أصابه السكوت والاستغراب، فهو يجهل هذه المعلومات التي لم تقدم له من بداية عمره وهو صفحة بيضاء يكتب فيها كل ما يقدم إليها. فالغرب يدس لنا العسل في السم ويفرض علينا ثقافته وأفكاره دون أن نشعر، وتكمن الخطورة من مرحلة الطفولة خصوصا حتى يمكن أن يظهر جيل يحمل الولاء والانتماء إلى هذه الثقافة التي روته منذ كان صغيرا. وتشرب منها بقصد أو من دون قصد أخلاقها وقيمها. وهذه النتيجة لا يكون المسؤول عنها هذا الجيل، ولكن المسؤولية تأتي من جيل أو أكثر ممن سبقوه من الذين تركوا الحبل على الغارب وسمحوا لكل ما هو غربي بالتوطن في داخل شخصيات أطفالنا وبيوتهم على السواء.وإن كان البعض قد تنبه إلى هذه المشكلة كما ذكر الأستاذ/ عبد التواب يوسف حين قال "إننا نعاني ومازلنا حتى اليوم من محاولات كثيرة وملحة لغزو عقول أطفالنا والسيطرة عليه سيطرة كاملة تؤهل الجيل الحالي من عقول أطفالنا للانصياع وراء ما يريده الغرب منا. وذلك للحد من الإنتاج العربي الذي يحاول أن يتخذ الإسلام شرعة ومنهاجا، لأن كل القصص الوافدة هي محاولة لأمركة الأجيال اللاحقة". من هنا يجب على مؤسساتنا العربية المعنية بالطفولة أن تنبه العقول الناشطة لاستعادة عقول أطفالنا من هذا الغزو. فالذي لم يستطع الغرب تحقيقه بالاحتلال والسلاح، أصبح اليوم يمكنهم تحقيقه بالفضائيات والإنترنت، هذا لأنه لم يواجه مقاومة كما حدث في الاحتلال بالسلاح.فالمواجهة والمقاومة تحتاج إلى سلاح بنفس القوة حتى تكون المنافسة متكافئة، فنحن نحتاج إلى كتابات جذابة وشائقة ومحببة للأطفال، تحمل روح العربي المسلم ولكنها في الوقت نفسه ترتدي ثوب الحداثة والمعاصرة حتى لا نكون رجعيين ومتخلفين. [email protected]