11 سبتمبر 2025

تسجيل

أمير العفو.. واستثنائية الولاء

20 ديسمبر 2023

أطلق الكويتيون على الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد الصباح – طيب الله ثراه – لقب أمير العفو وذلك لما تم في عهده من عفو كريم عن كافة أبنائه وعياله الذي تعرضوا لملاحقات سياسية بسبب آرائهم الإصلاحية التي لا ترنو إلا الصالح العام وقام بفتح صفحة جديدة بالتعاون بين الحكومة والمجلس في عهده وظهر ذلك الانسجام واضحاً في ترسيخ مبادئ العفو والتسامح، وما حزن الكويتيين على فراقه – رحمه الله – إلاّ دلالة على ذلك الحب وتلك المودة التي يحفظها شعب الكويت لأميرهم الزاهد العابد. فمن الأخلاق العظيمة والسمات النبيلة والخصال الحميدة التي تُكبِر صاحبها وتجعل له قدرا في نفوس الخلائق هو خلق العفو عند المقدرة، أي العفو عن المسيء أو المخطئ عند القدرة على معاقبته على إساءته وإنزال العقوبة عليه، وإن كانت المعاقبة جوهر العدل وفيما يقتضي القانون ومواده، فإن العفو قمة الفضل وذروة الأخلاق وسمو الروح، وهذا الخلق الكريم هو خلق الإسلام الذي ندب ودعا وحرص القرآن الكريم كقوله سبحانه: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} وقوله سبحانه: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ}. والصفح الجميل كما جاء في تعريفاته: هو العفو والإعراض والتجاوز الذي لا عتاب معه، ومازال القرآن الكريم يحث على الإعراض عن المخطئين وأهل الزلل، والعفو عن المسيئين، حتى في الأمور التي يكون فيها القصاص عدلا منشوداً فإنه مع تشريعه القصاص، إلا أنه حبَّذ العفو عند المقدرة ودعا إلى ذلك، كما قال سبحانه: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ). وقد بيّن النبي، عليه الصلاة والسلام، فضل العفو عند المقدرة والتجاوز عن المسيء فيما يروى عنه: «وما زاد الله عبداً بعفو، إلا عزاً». ولنا في حكاية «اذهبوا فأنتم الطلقاء» الكثير من المعاني والعبر، فليست حياة الأنبياء إلا منهجا يجب أن يسير عليه الساسة والقادة في تعاملهم مع أفراد شعبهم. فأميرنا الراحل ضرب أروع الأمثال المعاصرة في كيفية تعامل السلطة الرشيدة مع أبنائها المخطئين، فالتسامح والعفو يخلق في نفوس من يقع عليهم ذلك مودة وولاء للسلطة، ويذيب كل أسباب الخلاف، ويجعل من العدو نصيراَ وصديقاً، ويجمع الجهود ولا يشتتها وتكون ثمرة الأعمال في مصب الصالح العام ويستفاد من كل الكفاءات والجدارات في بناء الوطن في قابل الأيام. رحم الله أميرنا أمير العفو وأسكنه فسيح جناته، وجعل الخير في المسيرة القادمة تحت قيادة سمو الشيخ مشعل الأحمد الصباح ورزقه البطانة الصالحة التي تعينه على الاستمرار على نهج الإصلاح وسد كل سبل الخلاف.