12 سبتمبر 2025
تسجيللقد تطرقنا في هذه السلسلة من المقالات إلى أهم الصفات القيادية التي من شأنها أن تصنع قائداً ناجحاً ومؤثراً، وذكرنا أربع صفات رئيسية هي: الصدق والشجاعة والعدل والتواضع، ولا شك أن هناك صفات أخرى مهمة: كالأمانة والشرف والنزاهة والإخلاص والحزم وغيرها الكثير من الأخلاقيات التي تساعد بشكل مباشر في وحدة الصف والإيمان بالقائد وقدراته وأهدافه، ولعل باقي الصفات ترتبط بشكل رئيسي بالصفات الأساسية التي تم تناولها لذلك لن نتطرق بالحديث عنها، فالصادق العادل بطبعه سيكون أميناً ونزيهاً والشجاع حازماً ومخلصاً وهكذا، فإن هذه الصفات تتكامل فيما بينها لتولد شخصية قيادية ناجحة ومؤثرة في مجتمعها. ولقد استوقفني تساؤل من أحد القراء الأعزاء الذي ابدى تعجبه من إمكانية توافر كل هذه الصفات في شخصية بشرية واحدة، وحتى إن توافرت فإن هذا الإنسان لا يمكن أن يكون إلا نبيا مرسلا، عصمه الله عز وجل من الخطأ والزلل، والإجابة ببساطة لهذا التساؤل الواقعي والمنطقي من القارئ العزيز سنجده في هاتين الآيتين الكريمتين، قال تعالى في الآية 90 من سورة الأنعام " أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ "، وقال عز من قائل في سورة الأحزاب الآية 21 " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"، فقد أرسل الله الأنبياء والرسل لتبليغ رسالته وقيادة الإنسانية إلى إخلاص العبودية له، ولتحقيق ذلك ميزهم بأخلاق وصفات حميدة ليكونوا قدوة وأسوة لمن تبعهم، كما ميز كلا منهم بصفات معينة تميزت عن باقي الصفات: كالصبر لدى سيدنا أيوب، والقوة والقدرة لدى داوود وسليمان، وصدق الوعد في إسماعيل، وأمر سيدنا محمد - صلوات الله وسلامه عليه - بأن يهتدي بهداهم ويقتدي بهم فيكون بحق خاتم الأنبياء والمرسلين وجامعاً لكل صفاتهم وأخلاقهم، وأمرنا بعد هذا أن نتأسى ونقتدي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أخلاقه وجميع أمره، فهو صلى الله عليه وسلم القائد الكامل والقدوة المثلى، وليس بغريب ولا بعجيب أن تكون أفضل الصفات القيادية هي صفات اشتقت من مشكاة النبوة فهم القادة الهداة المهتدون. ولو أن كل قائد أو مدير أو مسؤول أو ولي أمر اقتدى بسيدنا وحبيبنا خير البشر محمد بن عبدالله النبي والرسول القائد لما واجه في اعتقادي أي صعوبات في أداء واجباته ومسؤولياته بأكمل وجه وتحقيق أهدافه وحسن تأثيره على أعوانه، ولأصبح قدوة لغيره ممن هم تحت امرته ومثالا يحتذى به. وفي ختام هذه السلسلة من المقالات عن القائد والقيادة والتي استمتع بتفاعل القراء الأعزاء مع ما طُرح فيها من أفكار ورؤى وما دار حولها من نقاشات وحوارات استفدت منها وأثرت من حصيلتي المعرفية المتواضعة، أحب أن أشير إلى أن النتاج الإنساني من الأدبيات حول العالم يزخر بالكثير من الكتب والدراسات والنظريات التي تناولت أبعاد شخصية القائد بشيء من الدراسة والبحث، وعدد ليس بقليل من هذه الأدبيات اهتمت بوضع إستراتيجيات أو خطط الذهنية وعقلية للقيادة، وأخرى تحاول أن تجعل من القيادة معادلة رياضية يمكن فك شفرتها من خلال اتباع خطوات حسابية معينة، وبالرغم من اختلاف تناول الكتاب والدارسين لشخصية القائد، فباعتقادي يبقى موضوع القائد والقيادة من أهم المواضعية التي تهم المجتمعات البشرية، لما له أهمية كبرى في التنمية والتطوير وتحقيق أهداف الأمم والشعوب. وأخيرا أقول إنه إذا أردنا أن نصنع قائداً ناجحاً ومؤثراً فعلينا أن نبدأ في الاستثمار في النشء وغرس قيم وصفات وأخلاقيات القيادة النبوية الشريفة فيهم؛ فإن نجحنا في ذلك فلا خوف على مستقبل أمتنا. @drAliAlnaimi